غير مصنف
دلالات تحديد الحدود البحرية الغربية لمصر في البحر المتوسط (بقلم: علي الحاروني- مصر)
لقد قامت مصر في الحادي عشر من ديسمبر بإصدار قراراً جمهورياً بتحديد الحدود الغربية لمصر في البحر المتوسط والذي يحمل رقم 595 لسنة 2022م والذي لا يتعارض فى مجمله مع القانون الدولي والأعراف الدولية ولتأمين مصالحها ونفوذها في البحر المتوسط ولحماية أمنها القومى والتأكيد على الجانب القانونى في سياستها الخارجية وتعزيز مسار تحقيق الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى وخدمة المشروع التنموى المصري فقرار مصر بتحديد حدودها البحرية الغربية شرق المتوسط لم يكن ضد دولة بعينها ولا يستهدف النيل من حقوق أى طرف من الأطراف وإنما هو لتأكيد مصالح مصر العليا وبما يتماشى مع القوانين الدولية فى أعالى البحار والخاصة بالمياة الإقليمية والمناطق الإقتصادية الخالصة، فما هي دلالات ودوافع مصر بتحديد حدودها البحرية الغربية؟
فى البداية بغض النظر عن ردود الفعل المتباينة تجاه هذه الخطوات المصرية ما بين الترحيب اليونانى أو الرفض الليبى من قبل حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها والصمت التركى وعدم الرغبة فى الصدام مع مصر لمحورية دورها فى منطقة الشرق المتوسطى فإن هناك جملة من الدوافع من وراء ذلك يتمثل أولها فى رغبة مصر لتأمين مصالحها وتعزيزها نفوذها فى البحر المتوسط بصفة تلك المنطقة ذات أهمية كبيرة فى سياستها الخارجية ولأمنها القومى والتأكيد على قيادتها لأية تحركات وتفاعلات محتملة فى المستقبل فى تلك المنطقة لاسيما مع إستضافة مصر لمقر منظمة غاز الشرق المتوسط وتوافر البنية التحتية لتسييل الغاز وإمتلاكها لأدوات الردع البحرى لحماية أمنها.
هذا إلى جانب الرغبة المصرية فى تقنين حقوقها وسيادتها القانونية على مياهها الإقليمية والمنطقة الإقتصادية الخالصة وذلك على غرار ما فعلته مصر مع اليونان وترسيم حدودها البحرية معها فى أغسطس 2020م , وكخطوة إستباقية للدخول فى مفاوضات ترسيم الحدود مع ليبيا والدول المقابلة للساحل المصرى كما أن تلك الخطوة الاستباقية لترسيم مصر لحدودها الغربية فى البحر المتوسط لطموحها
في زيادة فرص اكتشاف مزيد من حقول الغاز الطبيعي في البحر المتوسط لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعى خاصة فى ظل الإجراءات المصرية الأخيرة فى تلك المنطقة حيث محاولة جذب الشركات الدولية للتوسع فى عمليات التنقيب والاستكشاف والتى أسهمت فى تحقيق مصر للإكتفاء الذاتى من الغاز بنهاية عام 2018م ومن ثم زيادة الفائض الذى يسمح بالتصدير للخارج فى ظل الوفرة الهائلة من الاحتياطيات فى تلك المنطقة, وبما يؤدى فى النهاية إلى خدمة المشاريع التنموية لمصر فى المستقبل خاصة أن75% من إنتاج الكهرباء فى مصر يعتمد على الغاز علاوة على أن الغاز الطبيعى يعد مكوناً رئيسياً فى عدد من الصناعات الحيوية مثل الأسمدة والحديد والصلب والأدوية والبتروكيماويات والصناعات الثقيلة الأخرى إضافة إلى أن مصر ترغب من ترسيم حدودها الغربية فى المتوسط فى التحول إلى قبلة إقليمية ومركز عالمى للطاقة ولتصدير الغازالطبيعى من شمال أفريقيا إلى مختلف دول المنطقة وبخاصة دول شرق المتوسط حيث التقارب الجغرافى مع حقول الغاز المكتشفة فى قبرص وإسرائيل أو عبر قناة السويس وخط أنابيب سوميد حيث يعملان كممر وطريق لعبور النفط والغاز الطبيعى الذى يتم شحنه من الخليج إلى أوروبا.
ومن هنا يمكن فهم المساعى المصرية لتحديد الحدود الغربية كأحد الوسائل والأدوات المهمة فى مشهد الطاقة العالمى لاسيما مع الحرب الأوكرانية- الروسية وقيام روسيا بتوظيف الغاز الطبيعى كأدوات ضغط وتهديد فى حربها ضد الغرب ومن هنا يكون غاز المتوسط أحد البدائل المهمة لأوروبا وهو ما تبلور مؤخراً فى توقيع مذكرة تفاهم بين مصر والاتحاد الأوروبي وإسرائيل فى يونيو 2022م لفتح مزيد من الغاز الطبيعى من إسرائيل إلى منشآت الغازالطبيعى المسال فى مصر ومن ثم نقلها إلى أوروبا وللتحول مصر إلى مركز إقليمى للطاقة.
فمن أجل تأمين المصالح المصرية وحماية أمنها القومى والقيام بدور فاعل فى المعادلة العالمية للطاقة والذى جعلها تحتل المركز الثالث عشر عالمياً والثانى أفريقياً فى إنتاج الغاز الطبيعى وفقاً لأحدث التقارير الصادره عن " بريتش بتروليوم" لعام 2022م وبما يعود بالفائدة العظمى على المستقبل التنموى المصرى, قامت مصر بتلك الخطوة الاستباقية لتأمين حدودها الغربية البحرية فى البحر المتوسط ذات الصبغة القانونية والعدالة الدولية دون اعتداء أو مساس بمصالح الدول الأخرى وللتأكيد على قيادتها الإقليمية وللعب دور فاعل فى معادلة السياسة الدولية.