أدب وثقافة

«الحسني» في مؤتمر المشترك الثقافي: مصر والعراق فجر الحضارة الإنسانية

في كلمته التي نشرت بكتاب أبحاث «مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق.. حضارات الموجة الأولى في عالم جديد»، والذي صدر بعنوان: «فلسفة الذات الحضارية المتصالحة»، وعقد يوم السبت من هذا الأسبوع بأتيليه القاهرة برئاسة الدكتور حاتم الجوهري، قال منسق المؤتمر الدكتور منتظر الحسني مدير تحرير مجلة التراث الشعبي التي تصدر عن وزارة الثقافة العراقية إنه:

“يصدر المؤتمر في نسخته هذه من فكرة «المشترك الثقافي العربي» بين بلدين شكلا جزءاً مهماً من العالم القديم وما يُعرف بحضارات الموجة الأولى، بوصفها الأس الذي قام عليه مشروع المشترك الثقافي العربي، وما ينطوي عليه من مقومات ذاتية، شكلت حضارة مكتملة في العراق ومصر في وقت مبكر من فجر الحضارة الإنسانية، ومن ثمَّ كانا نموذجاً للتواصل الثقافي مع حضارات تلك الموجة في الهند والصين والأمم الأخرى.

أضاف الحسني: وقد تبنى الدعوة هذه الدكتور حاتم الجوهري في مشروعه الثقافي الرائد منذ عام 2020م، وعقد العزم على تفعيله والمضي من أجل تحقيقه، وها هو يلج السبيل نحو بلاد الرافدين لعقد المؤتمر بنسخته الثالثة التي جاءت بعنوان (المشترك الثقافي بين مصر والعراق.. حضارات الموجة الأولى في عالم جديد)، بعد أن رأى المشروع النور في نسختي: المشترك الثقافي بين مصر وتونس عام 2022م، والمشترك الثقافي بين مصر واليمن عام 2023م، مُتلمّساً فلسفة الذات الحضارية المتصالحة مادياً ومثالياً وفرص تعزيز ذلك التصالح، وتلك المواءمة بين المتون والهوامش انطلاقاً من البحث في السرديات الكبرى وفقاً لمبادئ: التلقائية، والطوعية، والتأمين، التي سادت عبر أزمان طويلة.

 

تابع الحسني: وفي رحاب بلاد الرافدين والنيل، بدا التفكير جلياً في تمثُّل أثر هاتين الحضارتين، في رفد البشرية بالنموذج الثقافي الذي يمكن تلمسه في النقوش والكتابات الأولى الرافدينية والفرعونية وما تراكم بعدهما وصولاً إلى العصر الحديث؛ فكان السؤال الذي نجترح صياغته من لب هذه الشراكة يرتكز على تفاعل تلك الحضارات في البنية والرؤى، وتمثُّل الحد الذي وصلت إليه في ظل ثنائية التواصل والقطيعة، التي ينوء بها العالم اليوم، ومن ثم ليس المشروع في جوهره تبنِّياً لفكرة إعادة الحوار فحسب؛ أو طرح مشروعية هذا الحوار أصلاً، وإنما هو سيرورة ذلك التواصل في ظل متغيرات يشهدها الإنسان، وتهدد الذات الثقافية في البلدين كلاهما.

 

وواصل: ومنذ القدم كانت دواعي الصلة قائمة متينة، وفي هذا السبيل نستحضر أحد أمثلة تجلي المشترك الثقافي في أحد عهوده الناصعة وفي كبرى سردياته، وهي «ألف ليلة وليلة»، التي قامت على طورين عراقي ومصري؛ حازا قصب السبق في التأريخ لمجتمعات بغداد والبصرة والكوفة والقادسية والموصل والحيرة في العراق، والقاهرة وباب زويلة والزاوية والنصر والإسكندرية والأهرام وبولاق في مصر، ومواكبة تاريخ الإنسان الثقافي حتى أضحت الليالي العربية منارة يشرئب لها الآخر وتتطلع صوبها الحضارات، فأثَّرت في إعادة صياغة الثقافات التي جاءت بعد أفول حضارة الليالي، ولاسيما في عصر النهضة في أوروبا، فكان حدث اكتشافها هناك بعثاً لحضارة العراق ومصر في أوربا، وتاريخاً لواقع ثقافي جديد، وما كان انتشار نسخ ألف ليلة وليلة وترجماتها إلى ألسنة شتَّى إلا دليل على ذلك الإشعاع الحضاري، الذي وثَّق قدرة الإنسان الشعبي في العراق ومصر على صناعة ثقافته وتمثلاتها، في سلسلة من الحكايات التي أودعها دعابته ومرحه وأشجانه وتفسيره وغوامضه وتسليته وقيمه؛ ومن ثمَّ رؤيته للعالم التي تخطَّت المحلي، وغدت مثار إعجاب الآخر وأسهمت إلى حد كبير في سرديات العالم المختلفة.

 

وأكد أنَّ من دواعي الغبطة، ونحن نعد لإخراج نسخة المؤتمر هذه، أنْ يبدو الدور الحضاري لكلا البلدين ماثلاً فيما وصل إلينا من أوراق بحثية، أخذت على عاتقها لملمة هذا الشتات، وحصر تلك النماذج في أهم تجلياتها الحضارية، منذ فجر التاريخ مروراً بالعصور الإسلامية لتستقر في تشكلات الحضارة العربية في العصر الراهن، وما يمكن أن نستنير به من جمع أو فرز ذلك التراكم المعرفي في وضع حلول حضارية لكثير من الاشكاليات، وتأمين الوقوف على أرض صلبة لأجل استجلاء الماضي في مواكبة الحاضر ومواجهة المستقبل، ولاسيما في ظل التحولات المفصلية التي نواجهها على مستوى الثقافة؛ ومن ثم أوضحت الدراسات المشاركة في هذه النسخة ما هو متجذر في ثقافة البلدين، من حضاري وثقافي كان للماء فيه الأثر البيَّن والشريان الذي يغذي نشوء الحضارة، في أبعد نقطة تصلها تفرعات النهر وسواقيه عندما امتزجت شخصية العربي بذلك النهر في ثباتها، وتحولها وتغير ألوانها وأمزجتها وتشابه طرائق الزراعة والتكيف مع الظواهر والبيئة وشق القنوات، وتنظيم الري بوجود أقدم تقويم زراعي عرفته البشرية.

 

وأردف: لقد استوعبت هذه النسخة ما كان يجول في خواطر الأساتذة المستكتبين والمشاركين، من التمثلات الحضارية العامة وأنماط حضارية خاصة بالموجة الأولى، وكيفية إعادة توظيفها ثقافياً، وفلسفة استعادة الأنماط وانعكاس ذلك على التراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي، بما يسمح لقراءة نقدية ثقافية في الأطر والشخصيات وما يتشقَّق عنه البحث في المعتقدات والعادات والتقاليد والممارسات الشعبية والأدب والفنون، في كبرى السرديات الإنسانية، وأصداء ذلك على مظاهر الحياة العصرية في الهجرات والتعايش والاندماج بين الشعبين، في مبادرة إلى لم الشمل الثقافي وإعادة الثقة بالكلمة لتأخذ حيّزها في صيرورة الحضارة وتقدمها، والتفكير في سبل شراكات ثقافية منتجة يمكن أن نفيد منها في المستقبل، فهي دعوة لتجسير الصلات وتوسيع أفق العمل الثقافي إلى مديات أوسع وتأسيس مراكز خاصة، بنتائج هذه النسخ والمبادرات الأخرى التي تصب في مستقبل البلدين الثقافي والحضاري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى