أدب وثقافة

دراسة لـ«الجوهري» تكشف أسباب التخلي عن القدس بين الدوافع الدينية والعلمانية والسلطوية

شارع الصحافة/ كتبت- همس عادل:

نشر الدكتور حاتم الجوهري الجزء الثاني (2/2) من دراسته المعنونة: (القدس ودوافع خطاب الاستلاب للآخر عند النخب العربية.. مقاربة نقدية)، وذلك في عدد مجلة (أدب ونقد) لشهر فبراير 2021م، وكان قد نشر الجزء الأول منها (1/2) في المجلة نفسها عدد شهر ديسمبر 2020م.

 

وتعد هذه هي الدراسة الرابعة فيما سماه الجوهري خطاب (الاستلاب للصهيونية)؛ إذ قدم في عام 2020م دراستين تناولتا الموضوع نفسه عند د.يوسف زيدان ود. مراد وهبة في مجلة (ميريت الثقافية)، حيث نشر دراسة في عدد شهر أغسطس 2020م من المجلة بعنوان: (الاستلاب للآخر والانسلاخ عن الذات عند يوسف زيدان- القدس نموذجًا). وقبلها في شهر أبريل 2020م نشر بالمجلة نفسها دراسة بعنوان: (الاستلاب للصهيونية والآخر في خطاب مراد وهبة.. مقاربة نقدية).

وكانت دراسته الثالثة في الموضوع قد نشرت في مجلة ميريت أيضا وفي عدد هذا الشهر مارس 2021م بعنوان: “من التطبيع إلى الاستلاب.. أزمة الذات العربية والمسألة الأوربية”.

والجديد والمفاجيء للغاية في دراسته المنشورة في مجلة “أدب ونقد” حول النخب العربية ودوافعها للترويج لخطاب التخلي عن مكانة القدس في المخيلة العربية، أن الدكتور حاتم الجوهري قدم رصدا لثلاثة من الخطابات متباينة الدوافع والجذور والراوافد الفكرية للغاية، في تبنيها لخطاب الاستلاب للصهيونية وصفقة القرن!

وهذه الخطابات الثلاثة؛ هي خطاب الاستلاب العلماني، وخطاب الاستلاب الديني، وخطاب الاستلاب السلطوي.

إذ يرصد خطابا علمانيا أجملَ الجوهري أسبابه؛ في أنه وجد في الموضوع فرصة للاقتصاص من السردية العربية الدينية السائدة، مسلحا بحجج تطرف فرق الدين السياسي ، وكذلك أشار لأزمة النخب التي شاركت في تقديم هذا الخطاب في سياق تاريخها الذاتي وقرارها المسبق بالقطيعة مع الذات العربية، مما جعلها في تبنيها للترويج للصهيونية وروايتها في الصراع العربي الصهيوني، لا تجد غضاضة او حاجزا نفسيا يكبحها. بل سلط الجوهري الضوء على الارتباك في المنطق الحجاجي الذي قدمه هذا التيار رغم ادعائه العقلانية والموضوعية، مدفوعا بأزمته التاريخية مع الذات العربية.

وكذلك رصد حاتم الجوهري وهو أستاذ الدرسات العبرية المنتدب والحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية، رصد وجود خطاب ديني قدمته بعض النخب المصرية مروجين للرواية الصهيونية في الصراع والتخلي عن القدس، بسبب التاريخ الشخصي لهذه النخب – أيضا – وأزمتها مع بعض المذاهب الدينية أو السياسية ورواياتها السائدة، ومن ثم انتقمت من هذه المذاهب وسردياتها من خلال التخلي عن مكانة القدس وفق كل مذهب منها. فمنهم من كان “إخوانيا سابقا” يدفعه غضبه على الجماعة للتمرد على مركز السردية الدينية التي استقطبته، وكان رد فعل للغواية القديمة والتطرف الذي كان مسيطرا عليه، فقدم في المقابل تطرفا مضادا حينما خرج على الجماعة، تمثل ذلك في موضوع القدس.

وشخصية أخرى تنتمي لـ”المذهب القرآني” تبنت الرواية الصهيونية والتخلي عن القدس؛ بذريعة أن مكانة القدس تستند لحجية الأحاديث النبوية التي يرفضها، ويرفض مكانتها في السردية السائدة عند أهل السنة والحديث، من ثم وجد في الموضوع فرصة للتعبير عن غضبه تجاه الرواية السنية، رغم أن خطابه افتقد للحجية أيضا وكان به الكثير من الثغرات كذلك، كما بين الجوهري في دراسته.

أيضا في خطاب الاستلاب الديني رصد الجوهري شخصية ثالثة لأزهري كان على صدام مع الأزهر؛ حاول أن يقدم خطابه في صورة التحرري والمنفتح في تبنيه للرواية الصهيونية وتخليه عن القدس، ولكن كان خطابه أيضا مرتبكا لا يقدم حجة منضبطة ليقنع بها من يخاطبه، كما بين الدكتور حاتم الجوهري في الدراسة.

وكذلك في خطاب الاستلاب الديني رصد الجوهري شخصية أخرى تبنت الرواية الصهيونية في موضوع القدس، بدافع الجدل الطائفي بين المسلمين والمسيحين، وهي شخصية قس مسيحي منشق على الكنيسة المصرية له تاريخ في المناظرات والجدل والتراشق مع بعض الخطابات المتطرفة أو المتشددة من الطرف الإسلامي المقابل، فتبنى خطاب الاستلاب للصهيونية وروايتها، من باب النكاية في الطرف الذي يتخيله ممثلا للمسلمين، لكن اتسم خطابه بالعديد من الفجوات الحجاجية أيضا، كما رصدها الجوهري في دراسته.

أما الخطاب الثالث من خطابات الاستلاب التي رصدها الدكتور حاتم الجوهري ووصفها في دراسته؛ فهو خطاب الاستلاب السلطوي، وقسمه إلى خطاب سلطوى عام أو إعلامي، وخطاب سلطوي توظيفي.

وكانت المفاجاة في الخطاب السلطوي التوظيفي؛ حيث رصد حاتم الجوهري موقفا غريبا من أحد الأسماء ذات الصيت الذائع في مجال الدراسات العبرية وقعت في فخ هذا الخطاب، لكن الجوهري قدم تفسيره هنا بأن الاستلاب السلطوي التوظيفي قُدم لهذه الشخصية، من خلال تاريخه الطويل في التعاون مع المؤسسات الرسمية المصرية، وأنه قُدم له عبر شخصية أخرى على صلة تاريخية بخطاب التطبيع القديم والطبقة التي تشكلت حوله في المؤسسات المصرية في تلك الفترة، لكن الجوهري أشار إلى أن هذه الشخصية ذات الصيت الذائع سرعان ما عادت لموقفها القديم دفاعا عن القدس، بعد فشل التصور الذي كان مطروحا لتمرير خطاب القدس وزيارتها تحت الاحتلال من جانب الشخصية الأخرى، لتفشل محاولة تيار التطبيع القديم في استقطابه لمشروعها حول الاستلاب للصهيونية، الذي تبنته هي بدورها مصورة إياه للإدارة السياسية المصرية كحصان رابح على المستوى الداخلي والخارجي.

إذا بين الجوهري أن تيار “الاستلاب السلطوي التوظيفي” حاول أن يقدم المقاربة على أنها ستحقق الدعم للإدارة السياسية الحالية، في مواجهة ضغوط ترامب وصفقة القرن، مروجين لما قد يصحبها من حسنات ومميزات اقتصادية داخليا، ودعم سياسي في مواجهة الاستقطابات السياسية التي واجهت الإدارة السياسية الحالية، خاصة على الصعيد الخارجي فيما بعد الموجة الثورية في 30 يونيو.

وانتهى الجوهري إلى أن عام 2019 حمل ضربة مركزية لتيار “الاستلاب السلطوي التوظيفي”؛ عندما تبنت الإدارة السياسية المصرية خيار العودة لحل الدولتين ومرجعية القرارات الأممية، رغم ما مارسه عليها ترامب من ضغوط لقبول الصفقة، منها موضوع سد النهضة والملف الليبي وغيرهما.

واشار الجوهري إلى أن تيار “الاستلاب السلطوي التوظيفي” خسر رهانه في موضوع القدس وزيارتها تحت الاحتلال، في موقفين بارزين عندما تعرض زوار خليجيون للطرد من فلسطين والقدس، وعندما تم منع نائبتين أمريكيتين من دخول “إسرائيل”، وكانتا ترفعان شعارات تشبه شعارات تيار “الاستلاب السلطوي”.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى