ملفاتمميز

إثيوبيا بين الفوضى الداخلية والأطماع الإقليمية.. مخاوف من تكرار سيناريو سوريا !!

شارع الصحافة/ إعداد: علي الحاروني:

ها هي إثيوبيا تدخل غياهب الحرب الأهلية بلا رجعة ولا سيما بعد فرار الجيش الإثيوبي من إقليم تيجراي في أواخر 2021 وإنسحابة من مدينة ميكلي بعد 18 شهرا بعد الحرب التي تشبت بقرار من آبي أحمد في 4 نوفمبر 2020م وهو ما جعل الحكومة الإثيوبية تطلب التعبئة العامة للأورموا والأمهرة والعفار ودعوتهم لمساعدتهم عسكريا في حربه في إقليم تيجراي لاسيما بعد اعتقال وأسر نحو ثمانية آلاف جندي من قبل جبهة تحرير شعب تيجراي وسقوط عديد من المعدات العسكرية في قبضة قادة تحرير الإقليم.

 

 

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلي الحرب الاثيوبية في إقليم تيجراي منذ 4 نوفمبر 2020م تحت دعاوى وهمية تتمثل في أن جبهة تحرير شعب تيجراي شنت هجوماً عسكرياً علي معسكرات الجيش الفيدراري ما هي إلا خدعة إستراتيجية للتغطية علي المشهد السياسي والاجتماعي والإقتصادي والأمني الهشه لأثيوبيا ونتاج تنوع ديني إثني عرقي ولغوي في إثيوبيا وعجزها عن تحقيق الإندماج الوطني بين شعبها وإهدارها لحقوق الإنسان وللتهميش السياسي والاجتماعي بها ولأطماعها الأقليمية في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا وحوض النيل.

 

كل ذلك جعلها تموت إكلينيكياً علي المستوي السياسي والاجتماعي والثقافي والإقليمي ولم يتبق منها سوى أشلاء دولة تعيش علي الدعم الأمريكي والإسرائيلي لها واستغلال أزماتها الداخلية والتهديدات الدولية كالحرب علي الإرهاب والتنافس الدولي علي الموارد والتجارة العالمية، وعدم الاستقرار الإقليمي لاسيما في منطقة القرن الإفريقي، حيث أزمة المياة وسد النهضة..   وتطويعها لخدمة مصالحها ومصالح حلفائها وعلي رأسهم أمريكا وإسرائيل.

الولايات المتحدة توفر لها غطاء الشرعية للسياسات العدوانية والثانية تقدم لها المساعدات الاقتصادية والمعونات العسكرية وهذا كله من أجل تجحيم دور مصر القائد في أفريقيا وهو ما أعلنه شيمون بيريز وزير خارجية إسرائيل في عام 1966م.

بيريز قال إن الهدف الأول للسياسة الخارجية الإسرائلية تكمن في بناء (مصر الثانية) في إفريقيا بفضل القدرات الإقتصادية والعسكرية لأثيوبيا، مع إعادة إحياء النهج الإسرائيلي المعروف باسم (إستراتيجي الهامش) والتي صاغها رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن جورين عام 1959م ودعا فيها إلي إقامة تحالفات مع دول الهامش في منطقة الشرق الأوسط والممثلة في تركيا وإيران وأثيوبيا وهي دول غير عربية في المقام الأول.

   ولعل هذا ما يفسر الدعم المالي والسياسي والإسرائيلي لايثوبيا والمشروعات المائية الإثيوبية، وعلي رأسها سد النهضة للحصول علي حصة مائية من حياة مياه النيل، وعلي إمدادات الطاقة المتوافرة من هذه المشروعات المائية، والاستفادة من الوزن السياسي المتنامي لإثيوبيا في شرق إفريقيا ومنطقة القرن الإفريقي.. ولكونها مقرا للاتحاد الإفريقي، وبالتالي تحقيق رغبة إسرائيل في الحصول علي صفة مراقب، والتغلغل في إفريقيا وتوطيد علاقتها مع دول الاتحاد الإفريقي.

ويُضاف إلى ما سبق، أن إثيوبيا دولة غير عربية وإسرائيل حليف خارجي غير مسلم وغير عربي، وبالتالي تتلاقى إرادة الدولتان علي المصالح خاصة وأن أثيوبيا تؤكد دوماً بأن هناك قوي خارجية تحاول إثبات إحداث الإضطرابات بداخلها وأنها دائما (جزيرة مسيحية وسط بحر مسلم من الدول المسلمة)، كما أنها دولة غير عضو في الجامعة العربية.

 

 

ومن هنا، فإن معرفة إثيوبيا داخلياً وتشريحها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً … وبيان ملامح أطماعها الإقليمية المدعمة دولياً من قبل القوي العالمية الكبري، يكشف عن إستراتيجية التعامل معها مستقبلاً للضغط علي نقاط ضعفها داخلياً وتفكيكها إقليمياً وتهميش دورها دولياً.

 

أولا: التشريح السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني لإثيوبيا:

يمكن التأكد بأن إثيوبيا الدولة المنعزلة الحبيسة المنعزلة مائياً وذات التنوع الديني والأثني واللغوي والثقافي والمهددة اقتصادياً وسياسياً والمهشمة اجتماعياً والمتوترة أمنياً انعكاسات هذه الحقائق علي مشهدها السياسي والإجتماعي ….  فنجد مثلا علي المستوي الإجتماعي بنية هشة ناجمة عن تعددية إثنية وقوميات متعددة وإختلافات ثقافية ودينية وعرقية.

  حيث يتكون الشعب الإثيوبي من أكثر من 87 إثنية وقومية وعرقياً تمثل مجموعة الأورومور أكبر القوميات الأثيوبية وبنسبة تفوق 45% من مجموع السكان تليها مجموعة الأمهرة والتي تمثل 25 ـ 30% ثم ذوي الأصول الصومالية 6 ـ 8 % من إجمالي عدد السكان فقومية التيجراي التي ينتمي إليها رئيس الوزراء السابق زيناوي وتمثل 5 ـ 7 %.

 

وفي هذا الاختلاف والتعدد في القوميات والإثينات العرقية، قابلته السلطة الإثيوبية في في عهد أبي أحمد بالسلطوية والعنصرية وحرمانهم من السلطة والثروة وعجزت عن تحقيق الإندماج الإجتماعي بين كافة فئات الشعب الإثيوبي ومما أدي إلي مشكلات إنفصالية لبعض الأقاليم الإثيوبية.

ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن الأقليات تتعرض إلي الاعتقالات والتهجير القسري مثل طرد أكثر من 150 ألف من المزارعين الأورموا من أرضهم دون تعويض ،هذا ناهيك عن ارتفاع وتيرة الصرعات الدينية ليس بين الإسلام والمسيحية فقط بل بين أطياف الملة الواحدة والدين الواحد مثل الصراع بين الطائفة الأرثوذكسية والبروتستانتية وبين السنة والشيعة ، بالإضافة إلي الديانات الإفريقية حيث يوجد بها (156 إيثينة).

 

 

أيضا عدم وجود مشاركة حقيقة وفاعلة في الحقل السياسي مع وجود قمع للحريات السياسية والمدنية ومنع أي تظاهرات سياسية أو إثنية أو دينية ضد الجبهة الديموقراطية الثورية الشعبية منذ توليتها حكم البلاد عام 1991م والتي حاولت الأخيرة السيطرة علي الحياة الحزبية والنيابية في البلاد وعملت علي تشجيع التكوين الحزبي علي أساس إثني وليس وطني ومن هنا يمكن القول بوجود معارضة غير فعالة في الحياة السياسية بإثيوبيا.

 هذا مع تدعيم الجبهة الديموقراطية الثورية شكل الدولة الفيدرالية الإثنية في الدستور الذي تم العمل به عام 1995م وكما جاءت في م(39) من الدستور، علامة علي قمع حرية الصحافة واعتقال الصحفيين تحت ذريعة (إعلان مكافحة الإرهاب) وقمع حرية التجمع السلمي والممارسات المهنية.

 

 

أما علي المستوي الاقتصادي فنجد إثيوبيا من أفقر دول العالم حيث أن ترتيبها 174 من ضمن بلدان لتنمية منخفضة الدخل وفقا لتقرير التنمية البشرية عام 2021م وذلك نتيجة لحالة عد م الاستقرار السياسي والقبضة الأمن للسلطة الحالمة ومازالت الاحتجاجات والتظاهرات في إثيوبيا يكشف عن عوار خطط التنمية والتي لم تلبي رغبات ومطالب الجماعات الأثنية حيث أن أغلب المشروعات القومية تتم لمصلحة فئة معينة دون مشاركة مجتمعية حقيقية.

ثانياً- الأطماع الإقليمية لإثيوبيا وتهديداتها وتداعياتها:

لقد استخدمت أثيوبيا جميع أدواتها السياسة والأمنية والعسكرية والإقتصادية والدبلوماسية لتعزيز مكانتها الإقليمية لا سيما فى منطقة القرن الأفريقى وشرق أفريقيا مما أدى إلى تهديد الأمن المائى في المنطقة ولا سيما نهر النيل وأمن البحر الأحمر إضافة إلى عدم الإسقرار الأمنى وزيادة الإرهاب فى منطقة القرن الإفريقى ما حدا بمصر مع السعودية لتأسيس مجلس الدولة العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر.

  وتنوع مصر علاقاتها مع الدول الإفريقية مثل أوغندا وكينيا وجيبوتي وتطوير القدرات البحرية المصرية كل ذلك لتهميش الدور الإفريقى لإثيوبيا ومواجهة تهديداتها المستمرة لا سيما بعد تولي آبى أحمد رئاسة الوزراء فى عام 2018م حيث الحرب على إقليم تيجراى التدخل فى الصومال وجيبوتى وأريتريا وإمتداد الصراع إلى الفشقة السودانية ودخول حوالى 75 ألف لاجئ إثيوبي إلي السودان منذ إندلاع الحرب علي إقليم تيجراي وحتى مارس 2021م مع دخول عدد من الأسلحة والمسلحين إلى الأراضى السودانية، مع تفويضها بالتدخل فى الصراع فى الصومال تحت غطاء الشرعية الدولية إعتقاداً منهم بأن الصومال تلعب دوراً معادياً لهم وأن الصوماليين الإثيوبيين ( سكان أوجادين) أوجدوا نظماً مستبدة فى إقليمهم الإثيوبى ومن هنا تحاول إثيوبيا التدخل دائماً فى الأزمات الصومالية تحت غطاء دولى لأن الصومال تعتبر مصدراً للإستثمار والتمويل وتتمتع بموارد وثروات زراعية غنية وحيوانية وأنهار وتحاول أثيوبيا إقامة السدود على هذه الأنهار.

 

 

أما عن علاقاتها بدول حوض النيل فتعتبر الجبهة الديمقراطية الثورية أن أثيوبيا ( برج المياة فى أفريقيا ) وأن قدراتها الكهرومائية يمكن إستغلالها عن طريق بناء السدود على الأنهار عابرة الحدود وبخاصة نهر النيل وترى أن مصر تعد أحد أسباب عدم الإستقرار فى القرن الأفريقى وأنها ترغب فى تخريب إثيوبيا وتعمل على ضمان عدم حصول أثيوبيا على التمويل اللازم لسد أثيوبيا وأنها تمارس وصاية على دول حوض النيل . ومن هنا تحاول أثيوبيا تقوية علاقاتها مع إسرائيل وتركيا وإيران لتحقيق التوازن الإقليمى.

ثالثاً- رؤى مستقبلية:

ولكن مع تصاعد الأحداث فى أثيوبيا والتوترات المتصاعدة على كافة مناحى الحياة فيها وسلطوية جبهة التحرير الديمقراطية الثورية سيجعل العديد من القوى الإقليمية والدولية تعيد سياساتها وعلاقاتها بأثيوبيا لاسيما مع عدم الإستقرار السياسي فى السودان والتوتر فى العلاقات الحدودية – الأثيوبية والحرب فى إقليم تيجراى وترك تداعياته السلبية على المناطق الحدودية السودانية وخاصة في منطقة الفشقة.

  كما أن إستقرار الأوضاع السياسية فى الصومال يمثل بدوره تحديات كبرى للفيدراليه الإثيوبية ذاتها وكذلك فيما يتعلق بالإستثمارات الخليجية فى أثيوبيا حيث التوتر وعدم الإستقرار العرقى والإثنى وتهديدات أمن البحر الأحمر سيجعل دول الخليج تعيد رسم علاقاتها من جديد مع أثيوبيا خاصة مع إرسال القوى الدوليةقواتها العسكرية وإقامة قواعد عسكرية فى جيبوتى ذات الموقع الإستراتيجى عند مضيق باب المندب تحت ذريعة حماية الملاحة البحرية والاستحواذ على الموانئ البحرية المطلة على  البحر الأحمر.

هذا ناهيك عن أن النزاعات فى منطقة القرن الإفريقى سيؤدى إلى زيادة القرصنة مع تنامى نشاط الجريمة المنظمة العابرة للحدود وأنشطة التنظيمات الإرهابية ومنها حركة الشباب الصومالية ودعوتهم فى 28 مارس 2021 م إلى ضرب المصالح الأمريكية والفرنسية فى جيبوتي.

 

 

ومن هنا فإن الحاجة ماسة لإعادة هندسة العلاقات مع إثيوبيا عربياً وإفريقياً ودولياً وإقليمياً لتحقيق الأمن والإستقرار فى منطقة القرن الإفريقى وشرق أفريقيا وتحقيق الأمن المائى لدول حوض النيل وحماية أمن البحر الأحمر خاصة بعد إنكشافها سياسياً وتدهورها اقتصادياً وأمنياً وبدأ الحديث بعد تصاعد أحداث تيجراى وإستعانة آبى أحمد بالأقليات القومية للتدخل فى حربه فى تيجراى عن تكرار سيناريو سوريا من جديد، وهو ما حذر منه جيفرى فيلتمان المبعوث الأمريكى لمنطقة القرن الأفريقي من أن الصراع فى إقليم تيجراى من المحتمل أن يتحول إلى أزمة إقليمية جديدة وأن استمرار التوترات فى إثيوبيا يعنى تحول الصراع إلى حرب أهلية شاملة .. فهل ستصبح إثيوبيا سوريا جديدة ؟!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى