ملفاتمميز

علي الحاروني يكتب: السكتة الرقمية والبحث عن بديل لـ«فيسبوك».. رؤية مستقبلية!!       

لقد حملت  أزمة الفيسبوك الأمريكي وتوابعه- نتيجة الخلل التقني- بين طياتها دلائل وحقائق وأزمات سياسية واقتصادية وأمنية أربكت العالم أجمع، وتشابكت في ظلها خيوط الاتهامات والتى نسجت تحت دعاوى القرصنة أو الإرهاب الإلكتروني أو الاختراق الأمني.

 الأزمة المشار إليها، كبدت العالم أجمع خسائر اقتصادية ومالية فادحة تراوحت ما بين 7 : 10 مليارات دولار لتوقف الفيسبوك وتطبيقاته، خاصة وأن عدد مستخدميه أكثر من 2.7 مليار شخص يومياً في المتوسط حول العالم، وهو ما يمثل 60% من إجمالى مستخدمى الإنترنت فى العالم.

 الأسئلة التي تفرض نفسها علي الساحة إزاء هذه الأزمة: ما هي دلائل أزمة الفيسبوك الأمريكي، ومدى نجاح التجارب البديلة للفيسبوك دولياً وعربياً ودوافعها ؟ مع تقييم رؤية مستقبلية للصراع الفضائي العالمى .. هذا كله ما سوف يتم تناوله عبر ثلاثة مباحث رئيسية.

أولاً- دلالات السكتة الرقمية وأزمة الفيسبوك وتطبيقاته:

     هذه الأزمة تبصرنا ببواطن الأمور والخفايا وأن الحروب القادمة ستكون حروباً فضائية وصراعات إلكترونية وهذا ما أكدته عالمة بيانات (فيسبوك) المستقيلة فرانسيس هاوجن لجريدة وول ستريت جورنال من أن خوارزميات الشركة تعزز الفرقة وأن الفيسبوك وفقاً لما قالته بشكة سي بي إس منصة تزيد من الكراهية وتنشر معلومات مضللة وتسبب الأزمات السياسية وتخفي بيانات مستخدميها لأغراض كثيرة.

      إن أزمة تعطل الفيسبوك وتطبيقاتها والتي أدت إلي ارتباك العالم سياسياً واقتصادياً وأمنياً ليست أزمة فنية والدليل علي ذلك هو قلق الكونجرس الأمريكي واستدعاؤه المسئولة السابقة عن الفيسبوك وللإدلاء بشهادتها أمام لجنة حماية المستهلك في الكونجرس لإعادة صياغة شركة فيسبوك لسياستها وممارساتها العالمية، وإعادة ترتيب البيت الفضائي العالمي لمجابهة الأخطبوط الصيني واستيلائه علي السوق التكنولوجية العالمية حتي داخل الأراضي الأمريكية.

ثانياً- دوافع البحث عن تجارب بديلة دولية وعربية للفيسبوك:

   إن أزمة انقطاع الفيسبوك وبعض تطبيقات التواصل الاجتماعي وتوقف هذا العالم الافتراضي وحدوث شلل تام في كافة مؤسسات العالم، اقتصادية أو مالية أو أمنية أو سياسية وتغير ساحات المواجهات الدولية الكبري إلي ساحة الفضاء التكنولوجي، جعل العالم أجمع يفكر في تجارب تقنية بديلة للفيسبوك الأمريكي وتطبيقاته الذي استحوذ علي مواقع التواصل الاجتماعي في العالم أجمع تحت دعاوى ودوافع متعددة ومتنوعة، ومن أهمها رغبة بعض الدول مثل الصين في السيطرة علي الإنترنت وتمشياً مع سياستها للرقابة علي الشبكة الدولية وفرض الحظر مع الشركات التكنولوجية الكبرى في العالم، وفي مقدمتها الفيسبوك الأمريكي وجوجل وإنشاء شركات بديلة وفرت خدماتها لأكثر من 70 مليون مستخدم.

 ومن هنا، قامت الصين بإطلاق مشروع (الدرع الذهبي) لتحقيق ذلك، علاوة علي موقع  في كي VK  الروسى والواتساب التركي تحت مسمى (بي بي تي ماسنجر).. إضافة إلي ذلك من بين حوافز التجارب البديلة الوطنية، دعم الخصوصية الثقافية، مثل قيام تركيا بإطلاق الفيسبوك الإسلامي (إسلام ورلد)، وهي تجربة كتبت لها الفشل بسبب سعيها لتطويع الدين في خدمة أغراض أخرى.

   وإذا كانت التجارب الصينية تحت دوافع رقابية أو تطويعها لخدمة سياسة ومصالح الدول أو مملوكة لأطراف صديقة للنظام الحاكم كما في روسيا وتركيا، إلا أن هناك تجارب أخرى كانت تحت دوافع الرغبة في تعزيز الاستثمار الرقمي، وإن كانت في حاجة لرفع معدلات استثمارها، وضخ أموال لتطوير برامجها، حتي تستطيع مجابهة التوسع العالمي للفيسبوك الأمريكي وتطبيقاته.

والواقع أن التجارب الوطنية والدولية البديلة كانت بدافع مواجهة التسييس لمواقع التواصل الاجتماعي، كما حدث في جرائم الإبادة الجماعية في ميانمار أو استخدامها لمنع انتشار المعلومات المضللة عن الأقلية المسلمة في البلاد، أو الوقوف بالمرصاد لمحاولات استخدام الفيسبوك للترويج لانتهاكات حقوق الإنسان في العالم النامي، أو استخدامه للتحريض علي العنف ضد الأقليات العرقية، كما حدث من جانب الجماعات المسلحة في أثيوبيا.

 إلى جانب استخدام الفيسبوك البديل لمواجهة نشر المعلومات الخاطئة حول لقاحات فيروسي كورونا إنتاجاً وتوزيعاً وفاعلية، في إطار حرب اللقاحات والصراع الدولي بين القوي الكبرى المهيمنة علي العالم، مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

ثالثاً- كيفية الخروج من عباءة الفيسبوك ومواجهة الهيمنة الفضائية(رؤية مستقبلية):

   في إطار الترويج للفيسبوك الأمريكي للقيم الأمريكية فى الديموقراطية وحماية الأقليات وحقوق الإنسان تحت دعاوى كاذبة ومضللة ووصفه بأن هذا الفيسبوك الأمريكي هو  (مجتمع عالمي)، إلا أنه وفقاً لما قالته عالمة البيانات السابقة للفيسبوك الأمريكي (فرانسيس هاوجن) أثناء الإدلاء بشهادتها أمام الكونجرس الأمريكي بأن الفيسبوك متهم بالترويج لخطاب الكراهية والمعلومات المضللة وأنه يخدع المستثمرين بشأن كيفية التعامل مع المشكلات، مع تبني الفيسبوك لسياسات مخجلة وبالغة الضرر، فضلاً عن الجدل القانوني والسياسي والفلسفي والأخلاقي الذي دار حول مواقع التواصل الاجتماعي وتناقص هذه المواقع لفكرة الدولة لانفلاتها من أي قوانين ملزمة للدولة مع السماح للإرهابين حول العالم بنشر مبادئها وأيديولوجياتها.

 وإزاء كل ذلك، حاولت بعض الدول الأجنبية والعربية تبنى العديد من التجارب الوطنية البديلة لمواجهة السلبيات السابقة للفيسبوك الأمريكي وذلك علي غرار موقع ( في كي VK ) الروسى والذى يستخدمه أكثر من 47 مليون مستخدم شهرياً والتطبيق الصيني تيك توك التابعة لشركة  (بايت دانس المحدودة)، والتي تجازوت تطبيق ماسنجر التابع للفيسبوك والذي أصبح أكثر تطبيقاً حتي في الولايات المتحدة الأمريكية مع وجود موقع (ديفيان أرت)، الذي أصبح موقعاً عالمياً يضم 34 مليون مستخدم حول العالم وموقع (دي تشات) الصيني الذي يمتلك 980 مليون مستخدم وشبكة دوكيوزون الذي بلغ مستخدميها 586 مليون مستخدم وكذلك تطبيق  أوكي Ok  والذي يتمتع بنحو 31.5 مليون مستخدم.

إضافة إلي ذلك، هناك بعض المؤشرات التي توحي ببناء تجارب عربية ناجحة للخروج من عباءة الفيسبوك الأمريكي مثل تطبيق (صراحة)، وهو ما قد يدعمه نمو الاستثمار للقطاع التكنولوجي العربي وبخاصة الإمارات وقطر والسعودية ومصر والمغرب والجزائر وذلك وفقاً لمؤشرات الإتصال العالمي لعام 2021 م.

 ويؤيده محاولات عربية لتنمية الكوادر البشرية لفرض المحتوي العربي علي الانترنت مثل مبادرة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لتوفير مليون مبرمج عربي.

 في هذا السياق، تمتعت العديد من الدول العربية بعدد وافر من المنتديات المتخصصة مثل (برامجي) و(ترايدنت) و(سوالف)، إلي جانب المنتديات المتنوعة مثل (ترستوس) و(فنون زون) للتواصل مع الفنانين و(مصوراتي )، و( بدل كتابك) وشبكة أريبيا، كشبكة تواصل جماهيرية بين المغتربين العرب والذي تم تأسيسه عام 2011 م و(الوصلة) و موقع صراحة …. إلخ.

 إلا أن هذه التجارب العربية كمعظم سابقيها الدولية، تعتمد علي نفس استراتيجيات شبكة الفيسبوك من حيث التسجيل والنشر والتبادل، مع اعتمادها علي التخصص ومخاطبة فئة معينة للابتعاد عن ساحة التواصل الاجتماعي العام، وعلي رأسها الفيسبوك، إضافة إلي أنه لا يوجد وجه مقارنة بين الفيسبوك وتطبيقاته، وبين التجارب الدولية والعربية لهيمنة الأول علي السوق العربية بحكم امتياز الارتياد المبكر والفعال لهذا السوق وكبر حجم استثمارات للفيسبوك والذي يجعله قادراً علي الابداع والتطوير المستمر.

 وحتي تنجح التجارب البديلة للفيسبوك الأمريكي وتطبيقاته ومواجهة الهيمنة الفضائية من قبل عديد من القوي الكبرى، لابد من تقديم قاعدة تقنية قوية لتوفير تصميمات عالمية رائدة وسهلة الاستخدام تضع نصب أعينها الخصوصيات الثقافية للدول والمستخدمين واحتياجاتهم ورغباتهم للخروج من عباءة الفيسبوك الأمريكي، مع اتباع قواعد السوق المعروفة والقائمة علي الاستثمار في البنية التحتية والبشرية وتوفير المناخ الملائم لريادة الأعمال التكنولوجية.

ويضاف إلى ما سبق، تشجيع زيادة عدد شركات الاتصالات والأمن السيبراني، وتطوير الاهتمام بالتعليم التقني والقدرات الهجومية والدخول في تحالفات مع دول أخري لديها قدرات إلكترونية متطورة، مع ضرورة التعاون الدولي والإقليمي لإنشاء وكالات ومؤسسات دولية لحماية أمن المعلومات خاصة في القطاعات الحيوية للدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى