ملفات

الأمن المناخي وقمة جلاسكو.. مقومات النجاح وتطلعات المستقبل (بقلم: علي الحاروني)  

على الرغم من الاستعداد الدولي لعقد مؤتمر المناخ للأمم المتحدة (COP26) فى أوائل نوفمبر في مدينة جلاسكو الإسكتلندية فإن التداعيات الكارثية للتغيرات المناخية كانت تدق ناقوس الخطر خلال شهري أغسطس وسبتمبر 2021م خاصة في ظل موجه الفيضانات المدمرة التي ضربت أنحاء العالم ومن أهمها دول في أوروبا الغربية والصين.

  وقد أصبح تغير المناخ من أكثر التهديدات التي تؤثر على الأمن العالمى فى القرن الحادي والعشرين فما من شك أن ندرة الموارد والتحولات السكانية الهائلة والكوارث الطبيعية وانتشار الأوبئة والأمراض المعدية، وكذلك الجفاف وارتفاع منسوب مياه البحر والاحتباس الحراري وذوبان الجليد هي من الكوارث البيئية المتوقعة والناجمة عن تغير المناخ والتى من شأنها ان تدفع العالم نحو مزيد من الصراعات وعدم الاستقرار، ما يهدد الأمن الإنساني والأمن القومي والعالمي.

أولاً- رؤية جديدة لقضية التغيرات المناخية:

ونظراً لإضفاء الطابع الأمنى على قضية تغير المناخ وجعلها على رأس أولويات أجندة الأمن القومى للبلاد فإنه يمكن للسلطات الحاكمة اتخاذ تدابير استثنائية وقوانين إزاء كيفية التعامل مع تهديدات تغير المناخ مثل المراقبة المستمرة وتقييد التنقل وغلق الحدود والحجز المكانى وسحب الجنسية أو الطرد ويمكن أن تفرض قوانين رقابية على المنشآت الصناعية للحد من التلوث المتسبب فى تغير المناخ ولعل  هذا ما أكده تقرير (الاتجاهات العالمية 2040م) الصادر عن مجلس الاستخبارات القومى الأمريكى في مارس 2021م من أن تداعيات  التغيرات المناخية على الأمن الانساني سيجعل الدول مجبرة على اتخاذ خيارات صعبة لأنه من المتوقع صعود الجماعات المتطرفة والعنف والارهاب والصراع بين المواطنين والدول وعدم الاستقرار السياسي.

 

وما يعزز البعد الأمني لقضية تغير المناخ هو ما حدث خلال شهرى أغسطس وسبتمبر 2021م وهو ما عبر عنه تقرير (اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغيير المناخ  IPCC) فى 9 أغسطس 2021م من أن كوكب الأرض يتجه نحو الاحترار الكارثى بمقدار 2.7 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية ولذا فإن الكوكب فى حاجة إلى خفض الانبعاث بنسبة 45% بحلول عام 2030م للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن.

إضافة إلى ذلك، فلقد تم وضع قضية تغير المناخ فى جدول أعمال مجلس الأمن برئاسة آيرلندا فى سبتمبر 2021م.

وفي إطار قمة المناخ في جلاسكو لتخليص الاقتصادات من الكربون ورسم مسار البشرية بعيداً عن الاحترار العالمى فإن الأمن المناخى يمكن أن يكون أحد محفزات المجتمع الدولى لإدخال التغيرات المناخية ضمن حالات الطوارئ والاستثناء لمواجهتها بشكل واقعي وفعلي خاصة فى ظل الحقائق التى أوردتها وكالة (أسوشيتيد برس) الأمريكية من وقوع 8 آلاف كارثة مناخية حول العالم ما أسفر عنه مقتل 563.735 شخصاً وبالنظر إلى 732 مدينة حول العالم  وحساب عدد الوفيات الناجمة عن تغير المناخ بسبب الحرارة الزائدة عام 2021م أكد الباحثون تسجيل 100 ألف حالة وفاه سنوياً ومن المتوقع إرتفاع حصيلة الوفيات إلى 250 ألف حالة في ثلاثينات القرن الحالي.

 

 

ثانياً- قمة جلاسكو (كوب 26) بين الآمال ومقومات النجاح:

ومن هنا فإن الآمال معقودة على قمة المناخ العالمية لعام 2021 (كوب26) بعدما فشلت الأهداف والطموحات في قمة مجموعة العشرين بروما فى 31 أكتوبر 2021 بشأن مواجهة التغير المناخى حيث أنها لم تقدم التزامات جديدة للحد من التلوث وتخفيض انبعاثات الكربون، كما أنه لم يتم تحديد موعد محدد للإلغاء التدريجي لدعم الوقود الأحفوري.

 

على ضوء كل ذلك فإن قمة جلاسكو هدفها الأسمى هو الحفاظ على ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض عند 1.5 درجة مئوية وهذا يستلزم خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 45% بحلول عام 2030م عما كانت عليه فى 2010م والوصول الى المعادلة الصفرية بحلول 2050م.

إضافة إلى ذلك، فإن من مقومات نجاح قمة جلاسجو لتحقيق ذلك الهدف هو التعجيل بالوفاء بتعهدات خفض الانبعاثات في السنوات المقبلة ولقد تم تكليف الدنمارك بذلك وإقترحت بريطانيا خطة عمل لإقرار تعهدات جديدة على الدول لتحقيق ذلك بحلول عام 2023م ومن ملامحها تبني مجموعة من الاتفاقيات للتخلص التدريجى من الفحم والتصحر.

 

علاوة على ذلك ستحتاج قمة (كوب26) إلى تبنى خطة جديدة لضمان الوفاء بهدف تخصيص 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول الفقيرة على الحد من انبعاثاتها وتقوية مناعتها للصمود فى وجه الظواهر الجوية العاتية من عواصف وفيضانات وحرائق وهذا يتطلب وضع إلتزامات محددة على الدول الغنية لضمان سداد ما عليها لتعويض الدول المتضررة من التغيرات المناخية على مستوى العالم من ضياع المحاصيل إلى ارتفاع منسوب مياه البحار والفيضانات والحرائق.

والأولوية الآخرى لقمة (كوب 26) والتي تضمن نجاحها هي استكمال مفاوضات قرابة 200 دولة موقعة على اتفاقية باريس للمناخ لتنفيذها على أرض الواقع ويتطلب ذلك مناقشات شائكة حول أسواق الكربون وكيفية تحديد الدول لأهدافها المناخية مستقبلاً والتمويل اللازم.

 

وفي هذا السياق يمكن مشاركة الشركات والقطاع الخاص للتصدى للتغيرات المناخية إلى جانب الدول من خلال استخدام الطاقة النظيفة وتطوير المشاريع الابتكارية للحد من الانبعاثات الكربونية وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2030م في كل عملياتها وإنتاجها بما في ذلك إنتاج الأجهزة الإلكترونية والهواتف.

– فهل يجتاز العالم محنة التغيرات المناخية أم سيبقى الوضع على ما هو عليه ؟!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى