ملفات

في ذكرى «اليوم العالمي».. المرأة العربية وضريبة العنف !! (بقلم: علي الحاروني- مصر)  

ها هي ذكري اليوم العالمي للعنف ضد المرأة تحل سنوياً في الخامس والعشرين من نوفمبر كل عام حتي نحاول تقييم أوضاع المرأة العربية والتي حققت بلا شك نجاحات واستحقاقات وتمكينات علي كافة الأصعدة حتي وصلت إلي مناصب وزارية وقيادية إلا أن الواقع اليوم ليكشف عن معاناة النساء من الاستغلال والتمييز علي أساس النوع الاجتماعي مع انتشار ظاهرة العنف ضد النساء والفتيات بمختلف صوره وفقاً لأحدث الدراسات التي أشارت إلي ظاهرة العنف الرقمي ضد الفتيات والنساء ولاسيما في ظل جائحة كورونا وبما فرضته من حجر إجباري منذ تفشيها وفرض الإغلاقات العامة والقيود علي الحركة في جميع أنحاء العالم ما أدي إلي ارتفاع نسبة العنف ضد النساء والفتيات من حيث النوع والشدة، بما في ذلك العنف عبر الإنترنت وبالأخص التحرش الرقمي.

 

 

 

وفي الحقيقة ليس العنف الرقمي فقط الذي عرف ارتفاعاً بل إن العنف الأسري قد تضاعف بشدة حتي أن إحدي الدراسات الإكاديمية قد وضعت العنف الزوجي علي رأس أنواع العنف ضد المرآة ولعل الجيد أن كل العالم أصبح تتنبه لخطورة هذه الظاهرة سواء علي مستوي أممي أو داخلي لدرجة أنه تم تخصيص حملة و الـ 16 يوماً من الحراك ضد العنف القائم علي أساس النوع الاجتماعي وذلك منذ بداية (اليوم العالمي للعنف ضد المرآة 15 نوفمبر حتي العاشر من ديسمبر 2021 تزامناً مع اليوم العالمي لحقوق الانسان ) حتي يمكن من خلالها زيادة الوعي ومكافحة العنف ضد المرآة والفتيات في العالم وهي الحملة المعروفة بمبادرة ” اتحدوا لانهاء العنف ضد المرآة ” ومهما حاولنا التغاضي عن ظاهرة العنف ضد المرآة في العالم فإنه لا يمكن تجاوزها لأنها قضية تحتاج إلي تأصيل وتحليل لمعرفة واقعها وأسبابها وتداعياتها وسبل مواجهتها أو الحد منها في المستقبل القريب وهذا ما سنحاول التعرف عليه هبر أربعة مباحث رئيسة.

 

أولاً- العنف ضد المرأة حقائق ومؤشرات:

تشير التقديرات العالمية لمنظمة الصحة العالمية لعام 2021 م بأن هناك واحدة من كل ثلاث نساء يتعرضن للعنف البدني أو العنف الجنسي ولا سيما اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و 49 سنة وتتراوح التقديرات المتعلقة بمعدلات انتشار العنف ضد  المرأة ما بين 20 % في غرب المحيط الهادي و 25 % في اقليم المنظمة للأمريكتين و 33 % في اقليم أفريقيا و 31 % في منطقة الشرق المتوسط و 33 % في اقليم جنوب شرق آسيا وتصل نسبة جرائم قتل النساء إلى 38% من مجموع الجرائم على الصعيد العالمى وتبلغ نسبة 6 % من نساء العالم  يتعرضن للاعتداء الجنسي إضافة إلي أن العزل الصحي ومنع التجوال بسبب كورونا أدي إلي تزايد العنف المنزلي في العالم العربي خاصة بنسبة 60 % من النساء اللاتي تعرضن لأي شكل من أشكال الانتهاك الجسدي أو الجنسي من قبل الزوج أو الشريك.

 

ثانياً- تداعيات وأثار ناجمة عن العنف ضد المرأة:

يتسبب العنف ضد المرآة سواء النفسي أو البدني أو الجنسي … في معاناة المرآة إلي مشاكل صحية ونفسية واجتماعية واقتصادية … كما تؤثر علي صحة الأطفال وعافيتهم كما يؤدي العنف إلي ارتفاع التكاليف الاجتماعية والاقتصادية التي تتكبدها النساء وأسرهن ومجتمعاتهن ويمكن أن يسفر عنه القتل أو الانتحار بنسبة 42 % وإحتمالات الإصابة بالاكتئاب والقلق واعتلال الصحة بشكل عام مع زيادة احتمال ممارسة السلوكيات المنحرفة مثل التدخين وتعاطي مواد الادمان والكحول وانتهاك سلوكيات جنسية خطرة.

 

كما أن العنف ضد المرآة قد ينعكس علي الأسرة عامة والأطفال خاصة حيث تعاني الأطفال الذي ينشئون في وسط أسرة تمارس العنف من اضطرابات سلوكية ومزاجية وارتكاب الجريمة والتسرب التعليمي و …………. إلخ إضافة إلي معاناة النساء من العزلة وعدم القدرة علي العمل وخسران الدخل وقصور المشاركة في الأنشطة ومن بين الآثار النفسية ضد النساء غياب التواصل بين الزوجين والمودة والسعادة في إطار الزواج ومما قد يؤدي بهن في النهاية إلي الانتحار وارتكاب الجرائم والسلوكيات المنحرفة والعزلة والتي تبعدها عن المشاركة في الحياة العامة مما يفقدها الفرصة علي تحقيقي الاستقلال والتمكين المالي والاقتصاي.

ثالثاً- خلقيات العنف ضد المرآة العربية:

رغم كل الحملات الدولية والبرامج التي وضعتها الدول ومناهضة العنف ضد المرآة إلا أن ممارسة العنف لم تتراجع بقدر ما ازدادت وهنا لابد من المراجعة والنقد وتحليل أسباب العنف القائم علي أساس النوع الاجتماعي والتي يأتي علي قمتها في الآونة الأخيرة عدم توافر التشريعات اللازمة لمواجهة العنف الرقمي وإدانته وتجريمه ربما يسهم ذلك في استسهال البعض تعمد الإساءة للنساء والفتيات في الفضاء الرقمي فضاءاً لا تشمله المحاسبة القانونية .

إضافة إلي ذلك من أهم العوامل التي تؤدي إلي زيادة معدلات العنف ضد المرآة تدني مستويات التعليم وتعرض الطفل لإساءة المعاملة في السابق ومشاهدة العنف الأسري واضطرابات الشخصية المعادية للمجتمع وإدمان المخدرات وتعاطي الكحوليات وتدني فرص العمل أمام … وتدني مستويات المساواة بين الجنسين مع ضعف العقوبات القانونية المفروضة علي مرتكبي العنف وبخاصة العنف الجنسي هذا ناهيك عن الأعراف والتقاليد الاجتماعية حيث السلطة الذكورية وتفضيل الرجل علي المرأة وحق الرجل في التحكم في تصرفات المرأة واختيار العنف ضدها كوسيلة لحل الخلافات ومما يزيد الأمور تعقيداً هو عدم وجود قوانين رادعة لمواجهة العنف ضد المرأة مع غياب البرامج التوعوية والمؤسسات المتخصصة لنشر الوعي وحماية المرآة من التعنيف مع انتشار الفقر والبطالة وتدني مستوي الدخل هذا مع سوء تربية الطفل منذ الصغر والعقاب الجسدي الشديد وغياب الرعاية مع الخلافات الأسرية ومما يسبب اليأس والإحباط في حياته وشهوره بالقهر واليأس وهذا ما يؤدي إلي ردود أفعال عنيفة في المستقبل وأخيراً نجد هناك فهم خاطئ للدين في معاملة الرجل للمرآة والنظرة المجتمعية السيئة للمرأة والنظرة الذكورية للرجل والسلطة والسطوة علي المرآة كل ذلك يمثل أهم الأسباب التي تؤدي إلي زيادة العنف ضد المرأة.

رابعاً- حلول عملية وواقعية لمواجهة العنف ضد المرأة:

إن مقاومة العنف ضد المرآة وبخاصة الرقمي من يتطلب تشريعات وآليات لتطبيقها وبما تتضمن من الحق في المحاسبة والمتابعة قانونياً وذلك لتحجيم العنف وخطورته  إضافة إلي اعتماد نهج التمكين الاقتصادي للمرأة وذلك لأن العنف هو اقتصادي في الجزء الأوفر منه وتمكين المرأة من الاستقلالية الاقتصادية هو أول الخيط الذي يمكن الإمساك به لدفع المساواة والمشاركة إلي الطريق الصحيح  ومن المهم القيام بدراسات علمية دقيقة حول تكلفة العنف القائم علي النوع الاجتماعي وتحديداً تكلفته الاقتصادية ، مع الوضع في الاعتبار التكلفة النفسية والاجتماعية والثقافية للعنف.

ولعل التركيز في تلك المرحلة علي التمكين الاقتصادي للمرآة لمواجهة العنف له أهمية فى تلك الآونة لاسيما وأن الوضع الاقتصادي العربي يحتاج إلي مشاركة الجنسيين لإيجاد حلول لمشكلات الفقر والبطالة والتنمية بشكل عام . إضافة إلي أن التمكين الاقتصادي سينعكس آلياً إيجابياً علي واقع التداعيات النفسية والثقافية والاجتماعية للعنف .

كما انه يجب الالتزام بالمنهج الدولي الذي أقرته منظمة وهيئة الأمم المتحدة تحت عنوان

 ( احترام المرآة ) لمواجهة العنف ضد المرآة والذي يعرف بالاستراتيجيات السبع امتثالا لكل حرف من حروف كلمة ( احترام ) حيث إرساء مهارات تعزيز العلاقات ، وحماية النساء وتمكينهم ، وتقديم الخدمات ، والريادة في الحد من الفقر ضمان بيئة ومساعدة ( المدارس، أماكن العمل والأماكن العامة ) وإرساء حماية الأطفال والمراهقين من الإساءة إليهم ، والمفاهيم والمعتقدات الإيجابية .

إضافة إلي ذلك فإن الدعوة إلي رفض العنف والتصدي له بوصفه من مشاكل الصحة العامة والذي يتطلب تقديم خدمات شاملة للمرآة وتوعية مقدمي خدمات الرعاية الصحية علي تلبية احتياجاتهن ، مع تعزيز المعايير القائمة علي المساواة بين الجنسيين ، مع التعاون الدولي بين منظمة وهيئة الأمم المتحدة والحكومات والمجتمع المدني وقادة الشباب والقطاع الخاص ومؤسسات الأعمال الخيرية لتعبئة التمويل اللازم للقضاء علي العنف . وفي هذا السياق يجب التأكيد علي التربية السليمة للأطفال وإتباع الطرق الحديثة في التربية والابتعاد عن الأفكار الهدامة والتقليد الأعمى وحمايتهم من إدمان الانترنت ، مع وضع برامج ومناهج دراسية للتعريف بالعنف وأخطاره وآثاره السليبة علي المجتمع ، والعمل علي تغيير الثقافة السائدة في المجتمع ونشر التوعية الاجتماعية ووضع الخطط التنموية التي تنهض بالمرآة اقتصادياً وهذه هي مهمة الدولة والمؤسسات والمنظمات الأهلية والمدنية في المجتمع ورجال الدين ووسائل الإعلام لتوحيد الجهود والبرامج لمواجهة العنف ضد المرآة .

هذا إلي جانب وضع قوانين وتشريعات حامية لحقوق المرآة وتفعيل عملها في المجتمع ، مع توعية المرآة بحقوقها وإقامة مشاريع خاصة للنساء لمساعدتهن علي التخلص من التبعية المالية للرجل ، مع فرض الرقابة علي وسائل الإعلام لمنع الأفكار المستحدثة والهدامة ضد المرأة .

وفي النهاية يجب التأكيد علي أن تمكين المرأة سيساهم بكل تأكيد في تطوير مهاراتها وقدراتها علي مواجهة ظروفها الأسرية والاجتماعية في بيئات العمل والخدمة المجتمعية وتقليل نسبة البطالة ودخولهن سوق العمل وتفعيل دور المرأة في صنع القرار والمشاركة فيه والقضاء علي أشكال التمييز الجنسى والعنصرية والتحيز ضدها خاصة في مجالى التعليم والعمل.

وينبغي تطوير برامج لخدمة المرأة وتمكينها ومحو أميتها والقضاء علي أشكال التعنيف ضد المرأة وحماية الفتيات من الاستغلال والابتزاز والانحراف وحث النساء في مؤسسات المجتمع المدني علي تشكيل قوة ضغط لتعديل القوانين الظالمة بحق المرأة وتعديل التشريعات التي تتسبب باستمرار في تفاقم مشكلة العنف ضد المرأة ، مع التثقيف بمشكلة العنف ضد المرأة وبخطورتها وأثارها علي المديين البعيد والقصير علي الأسرة والمجتمع والاستعانة بمختصين في القضايا الأسرية والزوجية وتعديل القوانين والتشريعات لحماية المرأة في كافة أشكال العنف وتعليم الأطفال خطورة مشكلة العنف ضد المرأة ووجوب احترامها وتقديرها والقيام بحملات لتغيير الصورة المرتبطة بعلاقة الرجل بالمرأة وتوضيح أنها تقوم علي الاحترام والمودة وليس على الاستقواء والاستعباد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى