مميز

في الذكرى الـ 75 للنكبة.. دراسة جديدة للدكتور حاتم الجوهري دفاعا عن القدس

عن دار نشر «إضاءات» بالقاهرة وفي الذكرى الـ 75 للنكبة الفلسطينية؛ صدرت الدراسة الجديدة للشاعر والباحث د.حاتم الجوهري أستاذ النقد والدراسات الثقافية المنتدب بالجامعات المصرية، بعنوان: «دفاعا عن القدس وهوية الذات العربية»، وبعنوان فرعي حمل اسم: «نقد خطاب الاستلاب العربي للصهيونية في ظل صفقة القرن والاتفاقيات الإبراهيمية والمروجين العرب لهما».

جاءت الدراسة في حوالي 470 صفحة من القطع فوق المتوسط، مشتملة على بابين كل باب يتضمن ثلاثة فصول.

ويتناول الكتاب بالنقد والتحليل ما يسميه ظاهرة «الاستلاب للصهيونية والآخر» وخطابها الذي ظهر في الثقافة العربية منذ نهايات عام 2015م، بالتواكب مع حملة الترشح الأولى للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2015م، والتي صرح خلالها بأنه يجهز لـ«صفقة القرن» لحل القضية الفلسطينية ويعد بتنفيذ القرار المؤجل بنقل السفارة الأمريكية للقدس.

وتوضح الدراسة أن المقصود بخطاب الاستلاب للصهيونية والآخر؛ ذلك الخطاب الذي ظهر في الإعلام المرئي بداية مع الأكاديمي المصري يوسف زيدان؛ مروجا لخطاب التخلي عن مدينة القدس والمسجد الأقصى بمبررات شتى، وكأنه يروج أو يمهد لصفقة القرن، ثم تبعه مجموعة من المثقفين والإعلاميين المصريين والعرب في الإعلام المرئي والكتابات الصحفية وغيرها، منهم على المستوى المصري: توفيق عكاشة الإعلامي وعضو مجلس الشعب المصري سابقا، وسعد الدين إبراهيم الناشط والأكاديمي المعروف، ومراد وهبة الكاتب والمثقف المعروف، وغيرهم من مصر.

وعلى المستوى العربي ظهرت أسماء مثل: سليمان الطراونة (الأردن)- نبيل فياض (سوريا)- فرحات عثمان (تونس).. وغيرهم.. واستمر هذا الخطاب حتى اللحظة الحالية في عام 2023م مع تدشين ما سمي «بيت العائلة الإبراهيمية» بالإمارات وأسماء مثل: هاني نسيرة (مصر).

ويرصد الكتاب إشكالية هذه المجموعة من المفكرين أو الباحثين أو الإعلاميين العرب التي تبنت خطاب الاستلاب بوضوح أكثر؛ حين نرى أن معظم من دعموا خطاب الاستلاب للآخر والتخلي عن مدينة القدس العربية ومقدساتها الدينية (الإسلامية والمسيحية)، كانوا يهاجمون الذات العربية في الوقت نفسه ويروجون للانسلاخ عنها والخروج عليها كلية والتخلص منها.

والذات العربية هنا المقصود بها الشكل الثقافي والحضاري والإنساني والهوياتي للإنسان العربي، معتبرين أن هذه الذات غير صالحة للمستقبل ولا للتحضر ولا للتحديث!

وكانوا يلصقون بالهوية العربية بكافة مستوياتها الحضارية والدينية والثقافية والإنسانية كل ما هو سلبي منفر مشوه، يبرر دعوتهم لمنح السيادة على مدينة القدس ومقدساتها للصهيونية، وقبول الاتفاقيات الإبراهيمية وصفقة القرن الأصلية مع ترامب أو المعدلة مع بايدن، وكأنهم يعتبرون أن الذات العربية لا تملك قوة ناعمة أو مخزونا حضاريا يمكنها من حكم نفسها أو التصدي للهيمنة الأمريكية والاحتلال الصهيوني.

 وفي الباب الأول (النظري) تهتم الدراسة ببيان الفرق بين مشروع التطبيع القديم وبين مشروع الاستلاب للآخر الصهيوني الجديد في صفقة القرن والاتفاقيات الإبراهيمية، مشيرة إلى أن التطبيع القديم كان يقوم على احتفاظ كل طرف بروايته للأحداث، مع وجود علاقات دبلوماسية واقتصادية محدودة في معظمها عبر وسيط أمريكي (اتفاقيات الكويز)، لكن الدراسة تكشف أن خطاب الاستلاب الجديد مع صفقة القرن والاتفاقيات الإبراهيمية يقوم على الاعتراف بالرواية الصهيونية للصراع والاستسلام لها سياسيا واقتصاديا وحضاريا ودينيا وتاريخيا.

كما تقف الدراسة في الباب نفسه على محددات الصراع على مدينة القدس ومسار سيطرة دولة الاحتلال “إسرائيل”عليها، منذ حرب عام 1948م وحرب عام 1967م وصولا للحظة قيام ترامب بتفعيل قرار نقل السفارة إليها في عام 2018م، ومتتبعة الدراسة مفهوم البقعة المقدسة والمسجد الأقصى في الرواية الدينية العربية الإسلامية، مبرزة الفرق بين ما هو سياسي وما هو ديني، لتصل للمشكلة في أن الرواية الصهيونية للمدينة تخلط ما هو سياسي بما هو ديني، وتسعى لبسط النفوذ والسلطة السياسية الصهيونية على البقعة المقدسة والمسجد الأقصى وكامل المدينة، وراصدة التاريخ السياسي للعرب المسلمين في المدينة والمحددات التي حكمته منذ الفتح، والكيفية التي تم بها بناء مسجد عمر بن الخطاب بالبقعة المقدسة ومحدداتها وصولا لشكل المسجد الحالي والتطورات التي جرت به حتى أطلق عليه الناس «المسجد الأقصى».

وفي الوقت ذاته يقف الباب الأول على تصور القدس في صفقة القرن والاتفاقيات الإبراهيمية، ويؤكد على أن صفقة القرن اعتمدت على تكتيك تفجير التناقضات في مستودع الهوية العربي، لتمرر مشروعها وصولا للحظة الإعلان عن الاتفاقيات الإبراهيمية في آخر عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

وتشير الدراسة إلى أن عهد بايدن لم يختلف كثيرا عن سلفه ترامب، وأن بايدن بعدما كان يدعي رفضه لما قام به ترامب، قام وإدارته بتبني نسخة خاصة به من صفقة القرن والاتفاقيات الإبراهيمية شيئا فشيئا، وباستخدام تكتيكات تفجير التناقضات نفسها التي استخدمها ترامب، والتي وصلت ضغوطها ذروتها مع «قمة جدة» العام الماضي، ومحاولة إنشاء ناتو عربي وتفجير التناقض السني الشيعي ضد إيران.

 وفي الباب الثاني التطبيقي، وضعت الدراسة فرضية نظرية في مباحثها واختبرتها لتقدم نموذجًا معرفيًّا يفسر دافعية تبني خطاب الاستلاب عند تلك النخب العربية، وهذه الفرضية تنص على: أن كل من تبنى خطاب الاستلاب، في شكل الخروج والانسلاخ عن رواية «الذات العربية» وسرديتها ببعدها التاريخي أو السياسي أو الديني أو الثقافي أو الحضاري.. إلخ،

ولم يتمسك بتقديم خطاب نقدي بغرض إصلاحها والبحث عن نموذج لتحديثها من داخلها لا الانسلاخ عنها، كان دافعه لذلك يقوم على وجود عامل مسبق أو محفز لتجربة فكرية عامة أو موقف ذاتي قديم، أدى لأن يكون هذا الشخص على قطيعة مسبقة مع الذات العربية وسرديتها، بما يبرر قبوله بخطاب الانسلاخ عن روايتها كلية، وفي الصراع العربي الصهيوني خصوصًا ومسألة القدس والمسجد الأقصى.

أو على الأقل كان مع القطيعة مع إحدى الروايات السائدة فيها سواء الفكرية أو السياسية أو الدينية، أو على ضعف قيمي يجعله يتكيف مع اختيارات سلطة سياسية ما، بحيث يتم تبني خطاب الاستلاب تكيفًا مع اختيارات تلك السلطة السياسية أو قطاع فيها، بادعاء أن خطاب الاستلاب سيعود مرحليًّا بالنفع أو الوظيفية باعتباره تكتيكًا سياسيًّا قصير المدي أو استراتيجية طويلة المدى.

كما فندت الدراسة سردية خطاب الاستلات العربي في هذا الباب على ثلاثة مستويات؛ المستوى الأول السردية التاريخية الدينية التي حاول يوسف زيدان تقديمها، المستوى الثاني السردية الفلسفية الوجودية التي سعى مراد وهبة لتقديمها باعتبار الذات العربية ذاتا قاصرة وعاجزة بطيعتها عن القيام بعملية التحديث والتقدم، والمستوى الثالث هو سردية خطاب الاستلاب المتنوع بخلفياته العلمانية والدينية والسلطوية الوظيفية.

 وفي الختام، تقترح الدراسة مسارين رئيسيين سعيًا لمحاولة التصدي لخطاب الاستلاب وانتشاره في ظل حالة الضعف والتراجع الحضاري التي تعاني منها الذات العربية، وفي سبيل الدفاع عن مدينة القدس العربية كالتالي: المسار الأول ترى فيه الدراسة أن التناقضات التاريخية إرث القرن الماضي؛ هي موطن الداء في الحالة العربية المعاصرة وقدرتها على التحول لـ”مجتمع فعال”، يستطيع أن يستعيد ذاته ويمتلك أسباب المنطق والقوة للدفاع عن مدينة القدس ومستقبل الذات العربية.

أما المسار الثاني فتقترح فيه الدراسة اختبار فرضية أن البديل الجذري لخطاب الاستلاب؛ هو خطاب التمركز حول اللحظة التاريخية الراهنة للذات العربية المعاصرة، التي تتمثل في التصالح مع ثورات العقد الثاني من القرن الجديد (بعيدا عن استقطابات اليمين واليسار وتوظيفهما المشوه) واعتبارها إضافة جادة للأمن القومي العربي وسنده الحقيقي تجدد مفهومه وتنقله إلى مرحلة جديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى