ملفات

 أنماط التعلم Learning Styles (د. شيماء قنديل- مصر)

اهتم الباحثون في الآونة الأخيرة بتناول وفهم الطرق والأنماط المختلفة التى يتبعها الأفراد عند تعاملهم مع المعلومات، وإن معرفة هذا الاختلاف يساعد التربويين والمعلمين ويدعوهم إلى مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة ويساعدهم للوصول إلى ابتكار المناخ المناسب والخبرات التى تشجع الفرد على تحقيق أقصى ما يمكن من قدراته والوصول به إلى أعلى درجة من التعلم الفعال.

 

       ويعد نمط التعلم من المفاهيم الحديثة نسبياً التى تناولها علم النفس المعرفى بالدراسة والمعالجة، ويشير إلى تلك الأنماط المعرفية التى يمكن بواسطتها الكشف عن الفروق الفردية بين المتعلمين فى مجالات نفسية معرفية عديدة يأتى الإدراك فى مقدمتها، يليه التذكر والتفكير والقدرة على معالجة المعلومات، كما يشير إلى الطريقة الأكثر تفضيلاً لدى المتعلم التى يعتمد عليها فى إدراكه لمثيرات العالم الذى يعيش فيه. لذا فإن أنماط التعلم والتعليم عوامل مهمة جداً فى تحديد نتاجات عملية التعلم  والتعليم، والتى تنعكس آثارها على الخبرات التى يكتسبها الطلبة من مواقف التعلم التى يتعرضون لها، وهذه الخبرات المكتسبة يحتاجها الطلبة من أجل استمرارية التفاعل البناء بينهم وبين البيئة المحيطة بهم بهدف فهم البيئة والتكيف معها ومن ثم تحسينها (Entwistle,1981).

        نشأت فكرة أنماط التعلم) Learning Styles ( على يد كارل يونج عام 1927، وهو يعد مؤسس نظرية أنماط التعلم (Learning Styles Theory) حيث لاحظ أن جميع المتعلمين مختلفون فى ذكائهم وشخصياتهم وفى طرق تفكيرهم، وفى أنماط تعلمهم وإدراك المعلومات وإتخاذ القرارات، وبالتالى فهم يختلفون فى كيفية مباشرتهم لعملية التعلم والتفكير وحل المشكلات، فبعض المتعلمين يميلون إلى بناء تمثيلات عقلية تشبه الصور في عقولهم، وآخرين يميلون إلى الاعتماد على المعنى  أو لمس الأشياء والشعور والإحساس بها، ويفضل البعض الآخر القراءة عن الموضوع ثم تجربته بعد ذلك، بينما يفضل آخرون تجربته أولاً ثم القراءة عنه لاحقاً، ويجد بعض المتعلمين أن العمل في بيئة هادئة وربما مستلق على بطنه والاستماع إلى موسيقى يساعدهم على التعلم بشكل أفضل .

وتوصل الباحثون ( Sliver & Hanson ; Butler , and McCarthy) إلى أن كافة أنماط التعلم تلتقى فى نقطتين رئيسيتين هما:

  1. تركيزها على العملية Process : إذ أن جميع أنماط التعلم توجهت إلى عملية التعلم، أى كيف يدخل الطالب المعلومات إلى نظامه المعرفى، وكيف يفكر فى هذه المعلومات ويعالجها ويقيم نتائجها.

  2. التأكيد على الشخصيةPersonality : إذ يعتقد أن التعلم هو نتيجة للعمل الشخصى والتفرد فى الأفكار والمشاعر، إذ ترتبط أنماط التعلم بالطلبة الذين يعتبرون أهم جوانب العملية التعليمية.

فكل متعلم يفضل التعلم بطرق مختلفة تختلف عن غيره حتى لو كان فى نفس الصف أوالعمر أو الجنس أو الثقافة، فالمتعلم يتلقى المعلومات ويعالجها بالرؤية أو السمع أو التجريب والعمل باليد. فالنمط التعليمى هو الأسلوب أو المنحى الفردى الذى يفضله المتعلم لتأدية المهمة التعليمية ومع أن الإنسان يستقبل المعلومات عبر حواسه المختلفة إلا أن هناك حاسة معينة مفضلة وقوية عن الحواس الأخرى، وعندما نساعد المتعلمين على اكتشاف أنماطهم التعليمية الخاصة، فإننا نمنحهم فرصة التوصل إلى الأدوات التى يمكن أن تساعدهم فى التعلم وفى مواقف حياتية كثيرة.

تعددت الأدبيات والمفاهيم التى تعرف أنماط التعلم وتباينت بتباين المواقف والأفراد وتنوع خصائصهم وتنوع النظريات المفسرة لها، هناك بعض الأدبيات تعرفها على أنها أنماط للتعلم وبعضها يعرفها على أنها أساليب للتعلم ولكنها فى النهاية تعبر عن نفس المعنى والمضمون، وأن مصطلح (Style) ترجم فى اللغة العربية إلى أسلوب أو نمط، وأن النمط مرتبط أكثر بالشخصية، بينما مفهوم الأسلوب مرتبط أكثر بدراسات علم النفس المعرفى، فنمط التعلم Learning Styles هو الطريقة الشخصية المميزة لكل فرد التى يفضل التعلم من خلالها، وهو يختلف عن النماذج Pattern أو القوالب(خطوات العمل) التى يتبعها الأفراد لتسهيل عملاً ما أو تحصيل معرفةً ما. وفى هذا المقال تتبنى الباحثة مصطلح أنماط التعلم Learning Styles .

 والذى تصفهم على أنه أسلوب Style أو طريقة Way أو استراتيجية Strategy  مفضلة، ومميزة، وثابته نسبياً يستخدمها الفرد فى مواقف التعلم المختلفة ويتفاعل من خلالها مع بيئته، ويكتسب المعلومات والخبرات بدافعية و رغبة فى التعلم، وأن هذا الأسلوب يختلف من شخص لآخر.

        وعلي ذلك تُحدد أنماط التعلم بأنها:” الطرق والمداخل الحسية المفضلة والثابتة نسبياً والتى تمثل نقطة قوة لدى كل متعلم  فى تحصيل المعارف وإدراكها وتخزينها واسترجاعها بصورة وظيفية، وتشمل: (نمط التعلم السمعي- نمط التعلم البصري – نمط التعلم اللمس/حركي).

       كما أن مفهوم “نمط التعلم Learning Style ” تجاور مع مفهومين آخرين هما: “نمط التفكير Thinking Style”، و”النمط المعرفي Cognitive Style” مما تسبب فى بعض الخلط وعدم التحديد الدقيق لدى مستخدميها.

ولتحديد هذا الخلط بشكل جيد يمكن تصور المفاهيم الثلاثة كدوائر متحدة المركز تبدأ من الداخل بأنماط التفكير، فالأنماط المعرفية، ثم أنماط التعلم . فعندما تتجه تلك الطرق المستقرة والثابتة نسبياً نحو التركيز والاهتمام على كيفية إدراك وتجهيز وتفاعل وإتصال الفرد مع بيئة التعلم تصبح أنماط فى التعلم، وعندما تتجه للتفكير أو التذكر أو حل المشكلات صار الحديث عن أسلوب معرفى، وعندما يصبح جوهر الاهتمام على الفروق المنتظمة داخل الفرد المتعلم فى توظيف المعرفة والفهم يوصف الأداء عندها بأنها نمط فى التفكير، والشكل التالى يوضح التصور المقترح للأنماط.

*طريقة الفرد فى الفهم و توظيف معرفته

*طريقة الفرد فى الإدراك أو التفكير أو التذكر

أو حل المشكلات .

*طريقة الفرد فى توظيف قدراته و خبراته

      عندما يصبح التوجه النفسى داخلى بدرجة أكبر نحو توظيف الخبرة  والفهم Perception and Cognitions عندها يتصف أداء الفرد أنماط التفكير، وعندما يتجه الفرد نحو توظيف بيئة التعلم – بدرجة أكبر – في ضوء خبراته ومعارفه، عندها يعبر عن أداء الفرد عن أنماط فى التعلم، فى حين تحتل الأساليب المعرفية موقعاً وسطاً بينهما كما هو موضح بالشكل (ابراهيم،2007،5).

      ويوجد مصطلح آخر يرتبط بأنماط التعلم ألا وهو مصطلح “صور التعلم  Learning Modalities” ، وهو يشير إلى كيف يستخدم التلاميذ حواسهم فى عملية التعلم، وتوصف بأنها مظاهر(حركية ولمسية، وسمعية، وبصرية) تمكن المعلمين من الوعى بطرق تعلم الفرد، وتشمل كذلك تفضيلات الفرد لظروف تعلم معينة يمكن من خلالها تطوير طرق تعليمية بديلة و وسائل متنوعة (عجاج، 2007).

تصنيف أنماط التعلم:

هناك العديد من التصنيفات التى تختلف باختلاف النماذج والنظريات المفسرة لأنماط التعلم وفى هذا المقال سوف نركز على أنماط التعلم الحسية.

  1. أنماط التعلم الحسية Sensory Learning Styles :

تمثل نموذجاً أو نظرية عن القنوات الحسية المفضلة Sensory Channel Model لدى المتعلم مثل:

  • نمط التعلم البصرى (التعلم من خلال الرؤية):

     إذ يحتاج الفرد لرؤية لغة جسم المعلم و تعبيرات وجهه ؛ ليفكر فى الصور ولديه القدرة على استدعاء المفاهيم التى قدمت له فى صورة بصرية. و هو يتعلم أفضل بالعروض البصرية مثل المخططات والكتب ذات الصور و الأشكال التوضيحية والشفافيات. ويميل للجلوس فى مقدمة الصف و يسجل المعلومات تفصيلياً.

  • نمط التعلم السمعى (التعلم عبر الإنصات):

     وفيه يستجيب الفرد أفضل للمحاضرات اللفظية والمناقشات ويصغى لما يقوله الآخرون، ويفسر المعانى من خلال تفسير لنغمة صوت المتحدث وإيقاعه وسرعته، والمعلومات المكتوبة لها قيمة أقل لديه خاصة إذا كان بإمكانه سماعها، ويفضل القراءة الجهرية واستخدام الشرائط السمعية.

  • نمط التعلم اللمسى/ الحركى (التعلم من خلال الحركة):

     وفيه يجرب المتعلم الأشياء ويلمسها ويحسها ويستخدمها، ويتعلم من خلال الحركة والأداء doing، كما يتعلم أفضل بمدخل يدوى ويكتشف العالم المحيط به بالأنشطة، ويعبر عن انفعاله ومشاعره بطريقة فيزيقية تفقده القدرة على الإنصات، ويمل من الأحاديث، ولديه رغبة فى الاستكشاف. وأكثر من 30% من الطلاب يفضلون هذا النمط فى التعلم، ومعظم الطلاب ذوى الأداء المتدنى فى الفصول ينتمون لهذا النمط.

وترى الباحثة أن طرق التدريس المثلى هى تلك الطرق التى تستثمر مداخل المعرفة العلمية والمهارات في جسم الأنسان.هذه المداخل هى الحواس الخمسة وكل حاسة منها خلقت لوظيفة معينة ويستحيل أن تحل الواحدة منها محل حاسة أخرى، فحاسة البصر للمعلومات البصرية مثل: الصور والرسوم والمخططات وشكل الكلمات، وحاسة السمع للمعلومات السمعية مثل: الأصوات بجميع أشكالها ومصادرها، وحاسة اللمس للمس الأشياء الحية والمادية من حيث ملمسها وأشكالها ، وحاسة الشم لشم الروائح وتحديد مصادرها، وحاسة التذوق لتذوق الحلو والمر والحامض والمالح .

المتعلمين العاديين الحواس الثلاث (السمع، البصر، اللمس) هى الحواس الأساسية فى التعلم فاستثمارها مجتمعة يجذب انتباه المتعلمين ويحثهم على التعلم الذاتى، ويثبت المفاهيم والحقائق والمهارات العلمية تثبيتاً قوياً فى أذهانهم؛ بينما كلما اقتصر نشاط المعلم على حاسة واحدة كلما كانت تلك المعلومات عرضه للنسيان.

التلاميذ فى مرحلة التعليم الأساسى يتعلمون، ويكتشفون العالم من حولهم عن طريق الحواس أكثر من التفكير المجرد والمتأمل.

مادة العلوم غنية بالكثير من الحقائق والمفاهيم التى يستخدم التلاميذ فيه حواسهم لتعلمها.

     ومن خلال ما سبق ترى الباحثة لكى يحدث التكامل بين المعرفة العلمية واكتساب المهارات العلمية لابد من استخدام واستثمار جميع الحواس في التعلم وخاصةً (السمع، البصر، اللمس).

المراجع:

  1. العلوان، أحمد فلاح (2010). أساليب التعلم المفضلة لدى طلبة المدارس الثانوية فى مدينة معان فى الأردن وعلاقتها بمتغير الجنس والتخصص الأكاديمى. مجلة جامعة الشارقة للعلوم الأنسانية والأجتماعية 7 (عدد خاص)،1-30، يناير.

  2. عجاج، خيرى المغازى بدير. (2000). أساليب التعلم والتفكير(دراسة مقارنة)، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية.

  3. إبراهيم، لطفى السيد عبد الباسط. (2007). خرافة أساليب التعلم. مجلة البحوث التربوية والنفسية-كلية التربية -جامعة المنوفية، 26 (1)، 3-11.

  4. عجاج، خيرى المغازى بدير. (2000). أساليب التعلم والتفكير(دراسة مقارنة)، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية.

  5. Entwistel, (1981). Styles of learning and Teaching. New Yourk: John Wiley&Sons.

___________________________

إعداد/ شيماء عبد القادر عباس قنديل

دكتوراه مناهج وطرق تدريس علوم (بيولوجى)

كلية التربية جامعة عين شمس

مصمم تعليمى بالمركز الاستكشافى للعلوم والتكنولوجيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى