أقلام القراء

سقوط الأجهزة الأمريكية في مستنقع أفغانستان !!

 بقلم/ إسماعيل بدوي:

 

 

  دعونا نتفق أن التفريط في الثوابت جريمة والتخلي عن المبادئ خطيئة وعصر العزلة انتهى، فقد حُسمت في العقدين الأخيرين إلى جانب القفزات الهائلة فى تكنولوجيا المعلومات وثورة الاتصالات فالمسألة لم يعد ممكناً إخفاء الحقائق أو التستر على أوضاع معينة (مثلما يحدث فى فلسطين ) بعد أن أصبح العالم الخارجي جزءًا من الشأن الخارجي .. ولن ينفع بعدها طريقة داوني بالتي كانت هي الداءُ .. أو كما قال شاعر أو حتى مجنون إذا رق الحال باض الحمام على الوتد.. وإذا ساء بال الحمار على الأسد.

 لقد حان الوقت الذي يجب أن نتحلى فيه بروح ناضجة تقبل الاختلاف فى الرأي في إطار احترام الثوابت وتسمح بهامش الاجتهاد دون تهاون فى الحقوق أو عبث بالمبادئ، فالتفكير المتجدد لا يعنى الخروج عن النص، ولأن السياسة ليست مسرحية ثابتة الفصول واضحة المداخلات كما وصفها دكتور مصطفى الفقي وغيرها الكثيرون بل هي فن إدارة الصراع وتحقيق المصالح ولابد من المرونة فى مواجهة المتغيرات والموائمة مع التطورات إلى جانب ضرورة استيعاب روح العصر وإدراك طبيعة الأشياء.

فإذا كان العالم أفضل من مخاوفنا فإنه أدنى بكثير من أملنا فيه فداخل عالمنا العربى خاصة فقد بدأنا الرحلة ولم نكملها بعد ، فمن المجابهة إلى التعاون .. ومن التعايش إلى الانصهار الكلى ولكننا مصممون على بلوغ النهاية فى الرحلة ،_ وقد يخطئ أن التعايش السلمى لم يُطرح كتسليم بالوضع الراهن بل على العكس من ذلك إذ جرى تبريره باعتباره أشد الأساليب هجومية وتأثيراً وأكثر وسيلة فعالة لتقويض نُظمنا العربية القائمة وما التجربة التونسية الأخيرة دليل فإن كانت العلاقات الدولية المعاصرة تكون صعبة على أفضل افتراض ولكنها تُصبح ذات صفة ملحة لاسيما أنه لم يسبق أن حدثت عدة ثورات مختلفة فى آن واحد والتجربة المصرية … الليبية … واللبنانية ..إلخ خير دليل وما التهديدات الأمريكية داخل حزام الشرق الأوسط إلانتاج طبيعى لعملية ظلم بين وإن كانت هناك عدة عوامل تغذيها وهى ..

أولاً- على الصعيد العقائدي: فإن الحماسة المعاصرة تغذيها السرعة التى يجرى بها تناقل الأفكار كما تغذيها الاستمالة المعروفة لتنفيذ التوقعات التى أثارها الشعارات الثورية ويتخذها البعض ذريعة مع ضعاف النفوس متخذين الدين ستار نبراس الحياة منهج لا يمكن الخروج عنه مع تحريف معانيه والخروج به وتفريغه من نصوصه السمحة إلى تنفيذ مخططات مُعدة مُسبقاً وأجندات موضوعة بحرفية !!

ثانياً- على الصعيد الاقتصادى/ فإن الملاين يثورون على مستويات المعيشة وعلى الحواجز الاجتماعية ” عيش .. حرية .. عدالة ” واختلاف الأجناس التى بقيت دون تغيير عدة سنوات أو حتى قرون زد على أن جميع الثورات حدثت فى وقت واحد أصبحت فيه العلاقات الدولية فعلاً علاقات عالمية للمرة الأولى خاصة بعد أن أصبحنا فى قرية كونية واحدة وعالم مفتوح قنواته ظاهرها الرحمة والتكنولوجيا والمعرفة وباطنه أشد العذاب ..!!

 وسموات لا تُخفى مايكون فى الغرب عن الشرق أو العكس، وأيه خطوة دبلوماسية كانت أوحتى عسكرية تترتب عليها فى الحال عواقب على نطاق عالمي .. وهذه المشاكل على خطورتها  تستغلها الكتل والدول الظالمة إذ أنها مصممة على الحيلولة دون إقامة توازن من أى نوع كان، كما أنها موجهة نحو استغلال كافة الآمال لأغراضها الخاصة .. وما التجربة الأمريكية فى أفغانستان وترك كابول لجحافل طالبان إلا خير دليل على ذلك .. وحتى لا تتكرر التجربة الفيتنامية عام 1975 مرة أخرى.

الحقيقة أنه لم يسبق للحنكة السياسية العربية والشرق الأوسط أن واجهت تحدياً مُخيفاً أكبر من هذا .. فمن المؤكد أن الثورات المعاصرة لايمكن أن تتحقق نتائجها بالقوة وحدها وتؤتى ثمارها فهى تتطلب وجود برنامج متماسك وجدى يتفق مع أمانى الشعوب، ولكن عندما لا يكون هناك عقاب بعدم المسؤولية فإن القهر المكبوت لدى الشعوب ولعدة قرون أو حتى سنوات قد يجد له متنفساً فى المجال الدولي لا نحو التطور الداخلى فقط ومن ثم تستغلها الدول الظالمة لتنفيذ برنامجها الشيطاني للانقضاض على مقدرات الشعوب والأمم.

العدل أساس الملك  ومتشعبة ولا يمكن أن تُقام إلا بوجود الثوابت والمتغيرات معاً ، فالاسترتيجية ومعطياتُها ألا تكون بإثارة المفاهيم والحوارات التى تؤدى فى النهاية المطاف إلى نتائج مرجوة سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي فالمصارحة والمكاشفة وتداول الآراء مع تداول السلطة تأتى النتائج المنشودة التى بها يُسعد شعوب وترفع ظلم جائر، فالأرض للعرب .. والسلام لشعوب المنطقة شعار يجب أن يكون مفهوماً لدى الكثيرين منهم غير المزايدين إذا أرادوا أن تُقام دولة العدل مع تجاوب الآراء بموضوعية وآلية مفهومة وواضحة للعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى