أقلام القراء

كفى بالموت واعظا !! (إعداد: أشرف فاروق- مصر)

كفى بالموت واعظا.. ووالله لو كان الأمر سينتهي بالموت لهان الأمر، لكنه مع شدته وهوله، أهون مما يليه من القبر وظلمته، وكل ذلك هين إذا قورن بالوقوف بين يدي الله الكبير المتعال، في موقف ترتج له النفوس، وتنخلع له القلوب.

روى الترمذي وغيره وحسنه الألباني أن عثمان رضي الله عنه كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه.. الموت هو الحقيقة الكبرى .. كل حيٍ سيفنى ، وكل جديدٍ سيبلى .. وما هي إلا لحظةٌ واحدة، في مثلِ غمضةِ عين، أو لمحةِ بصر ، تخرج فيها الروح إلى بارئها، فإذا العبد في عداد الأموات.

ذهب العمر وفات ..يا أسير الشهوات ..ومضى وقتك في سهو ولهو وسبات .. بينما أنت على غيك حتى قيل مات!!

إننا ونحن في غفلة الحياة، كثيرًا ما نفاجأ باتصال أو رسالة أو غير ذلك أن فلانًا مات، وقد كان في كامل صحته وعافيته، وذلك مصداق حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اقتراب الساعة أن يرى الهلالُ قُبُلاً فيقال لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقاً، وأن يظهر موت روي أن ملك الموت دخل على داود عليه السلام فقال: من أنت؟

فقال ملك الموت: أنا من لا يهاب الملوك، ولا تمنع منه القصور، ولا يقبل الرشوة، قال: فإذًا أنت ملك الموت، قال: نعم، قال: أتيتني ولم أستعد بعد! قال: يا داود، أين فلان قريبك؟ أين فلان جارك؟ قال: مات، قال: أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد؟!

هو الموت ما منه ملاذٌ ومهرب/

متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب

نؤمل آمالاً و نرجو نتاجها /

وعلَّ الردى عمَّ نرجيه أقرب

إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا /

وفي كل يوم واعظ الموت يندب.

إلى الله نشكو قسوةً قد عمت، وغفلةً قد طمت، وأياماً قد طويت، أضعناها في المغريات، وقتلناها بالشهوات.. كم من قريب دفناه، وكم من حبيب ودعناه، ثم نفضنا التراب من أيدينا وعدنا إلى دنيانا ، لنغرق في ملذاتها.الفجأة) . رواه الطبراني وحسنه الألباني.

ومن العجيب أنك قد ترى بعض المشيعين يضحكون ويلهون، أو يكونون قد حضروا رياء وسمعة بسبب الغفلة وقسوة القلوب.

هما ليلتان اثنتان على كل مسلم أن يجعلهما في ذاكرته: ليلةٌ في بيته، مع أهله وأطفاله، منعما سعيدا، في عيش رغيد، وفي صحة وعافية، ويضاحك أولاده ويضاحكونه.

والليلة التي تليها، بينما الإنسان يجر ثياب صحته منتفعا بنعمة العافية، فرحا بقوته وشبابه، إذ هجم عليه المرض، وجاءه الضعف بعد القوة، وحل الهم من نفسه محل الفرج، فبدأ يفكر في عمر أفناه، وشباب أضاعه، ويتذكر أموالا جمعها، ودورا بناها، ويتألم لدنيا يفارقها، وذريةٍ ضعاف يخشى عليهم الضياع من بعده، وقد استفحل الداء، وفشِل الدواء، وحار الطبيب، ويئس الحبيب، (وجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ).

إن غاية أمنية الميت المقصر أن يُمدَّ له في أجله ليركع ركعتين يزيد فيها من حسناته ويتدارك ما فات من أيام عمره في غير طاعة .. فأين نحن من هذا المقام .

يا غافـلاً عن العمل *** وغرَه طـولُ الأمـل

الموتُ يأتـي بغتـةً *** والقبرُ صندوق العمل

القبر صندوق العمل، وكل ما وضعت في الصندوق سيكون معك بعد موتك.

زر قبَرك في الأسبوعِ مرهً، في الشهر مرة، ثم قل: هذا صندوقي، هذا فراشي، هذه داري، سأسكنها وحدي.. هل وضعت فيها عملاً صالحاً، أم أودعتها خيبة وحسرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى