أدب وثقافة

«أرض الصابرين».. سياحة فكرية أدبية لـ مصطفى بدوي ترصد متناقضات الحياة والمهمشين

(بقلم: د.خالد محسن)

أرض الصوابر، أو وطن الصابرين رواية جديدة توصف الصراع الحياتي وترصد متناقضات الحياة وتنتصر لقيم الثورة الإنسانية النبيلة بحثا عن وطن صغير ، وجسر العبور للوطن الأكبر. وبحروف منمقة بأسلوب أدبي بديع ورصين خاض الزميل الصحفي مصطفى بدوي مدير تحرير المساء لشئون التحقيقات والمتابعات الصحفية تجربته الإبداعية الأولي في دنيا الراوية، في محاولة لرصد متغيرات الحياة ،وما تحمله من أتراح وأفراح، حيث تتراقص الأحلام ويولد الأمل من رحم المعاناة.

 يرصد (بدوي) في سياحة فكرية شيقة وبجرأة مفهوم كلمة وطن لدي طبقة من المهمشين من خلال عرض ملامح تجربة حياتيه لأبناء (الغجر)، وتصحيح بعض المفاهيم والصورة الذهنيةالمغلوطة عن هذه الفئة التي اختارت العزلة الطوعية عن المجتمع المصري.

وتدور رحي الرواية حول شخصية (صابر ) ابن إحدي القبائل الغجرية التي تجوب صعيد مصر ، يحلم بالاستقرار والسكن الآمن والتعليم وبفكرة الوطن الصغير والكيان الذي يوفر الأمان الراحة والسكينة والخصوصية وأبسط حقوق البشر، بعيدا عن فكرة الترحال الأبدية.. وجاءت سطور الرواية بأسلوب أدبي رشيق، رغم عثرات وتحديات البداية التي تواجه أي أديب، لكن تشعر أن(بدوي) يمتلك ناصية اللغة والحروف التي تجمع بين بساطة المعني وجزالة الأسلوب، ويذكرنا بأعمال السهل الممتنع لكبار الكتاب ورواد الصحافة الأدبية،وأمثال يوسف السباعي، ورائعته (أرض النفاق) ، والعملاق إحسان عبدالقدوس (أنا حرة)، (لن أعيش في جلباب أبي)، (أنا لا أكذب ولكني أتجمل) وغيرها.

 بدوي يقدم لنا وجبة أدبية ثرية وتوصيفا لكوامن وأحاسيس النفس البشرية، حين يثور الإنسان علي واقعه لكن بتعقل ورشد، ويتوق لتحقيق حلمه مهما صغر أو كبر، ويتمرد أحيانا ويواجه أنواء الرفض أحيانا أخري، لكنه جسد ملامح بطولية لتحقيق حلم يظل يراوده بمثابرة وإصرار.

والجميل أن بطل الرواية أو الثائر النبيل كان مثاليا مقداما آمن بفكرة التغيير السلمي المتدرج ولم يتنكر لجذوره ولم يجاهر بمعاداته للموروث من العادات والتقاليد ،لكنه أخذ منها ما صفا وترك ما فيه الكدر ، متسلحا بالأمل والإرادة، دون إهدار وعبث بمنظومة القيم والمباديء، التي تحكم القبيلة.

 البطل لم يقفز علي الأصول، لكنه استطاع أن يغرس الأمل والحلم شئيا فشئيا، ويقنع به أهله وأقاربه وشريكة عمره ، حتي نضجت الفكرة ورويت بالحب والعطاء والتفان، فكتب لها النجاح. إنها حقا رواية بديعة تستمتع بقرائتها منذ وهلة البداية وحتي سطور الخاتمة.

 وبخيال ممتع وبرمزية ما طرحته حول قدسية الوطن والكيان نسج الأديب حروفه، بسلاسة وسرد مركز للأحداث وتسلسل منطقي مقنع، لخدمة الهدف والفكرة والمعني. وعلي هامش الأحداث عرض الكاتب لقيم الاصالة والشهامة التي يتمتع بها أهل الصعيد كما عرض لصراع الخير والشر والطموح المشروع، والرغبة في تغيير القيم والتقاليد البالية.

 وأعتقد أن واقعية الرواية وبعدها عن الرمزية المطلقة ومساحة الخيال وتنوع شخوصها، تؤهلها للإنتاج في مسلسل درامي إجتماعي قصير 15 حلقة، دعما للدراما الإنسانية الراقية.

وأتصور أنه يحمل كافة عناصر العمل الفني المتكامل وعناصر التشويق، فقط إعادة صيغة بعض الأحداث والمواقف الحوارية، بصورة أكثر وصفا وتفصيلا،بعيدا عن الأسلوب الصحفي التقريري.. وتجسدت براعة الأديب في صياغة ملامح النهاية الصادمه وموت البطل، لكن ما غرسه من فكرة وأمل لم يمت، وظل غرسا حيا أعاد مفهوم الحياة لأهله وعشيرته وأبناء قبيلته. في ظل وحضن الوطن الجديد.

___________________________________

✍ بقلم : د.خالد محسن (نائب رئيس تحرير المساء)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى