مواقع التواصل

محمد علي الهواري يكتب من نيويورك: عناقيد الدعم !!  

لقد فعلتُ كل ما في وسعي لأحطم أعصاب القارئ إلى أقصى درجة، ذلك أنني لا أريده أن يكون راضيا.. تلك الغاية الغريبة التي سعي إليها صاحب نوبل (جون شتاينبيك)، بإصرار عجيب، مستغلًا فيض موهبته المتدفقة.. بتجلي أسلوبه السردي المفعم بالحيوية ولغته العاطفية الجياشة التي أحكم بها عقدة الحبكة الدرامية للملحمة الإنسانية (عناقيد الغضب)، والتي تنتقد تغوّل النظام الرأسمالي المتوحش.

 

كما تفضح التناقض الشائن بين المبادئ الأفلاطونية التي بشر بها الآباء المؤسسون  العدالة، المساواة، وتكافؤ الفرص وقسوة الواقع المرير  أثناء محنة أمريكا المحطمة من زلزال الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، بتوصيف ساحر لمجتمع بائس يعاني أزمة اجتماعية وأخلاقية متمثلة في عائلة (توم جود) المعدمة التي دفعتها الظروف المأساوية- التي تعدت خط الفقر- لتصل إلى حد الهلاك جوعاً أو جفافاً بعد فرارها من وطنها الصغير بأوكلاهوما التي أصابها الجدب والجفاف خلال فترة (قصعة الغبار) بالهجرة غربًا إلى جنة كاليفورنيا سعيًا وراء الحد الأدنى لحياة أكثر أماناً.

 

 وبالرغم من النجاح المادي والأدبي الكبير لهذه الأيقونة الأدبية بتصدرها قائمة الأكثر مبيعًا 430 ألف نسخة وحصولها علي جائزة بوليتزر إلا أنها تعرضت لنقد عنيف من كافة الوان الطيف السياسي من معاصريه وحتي من مزارعي كاليفورنيا الذين نددوا بالرواية بوصفها دعاية شيوعية تحوي حزمة أكاذيب مليئة بالمغالطات ومجرد ميلودراما مخيبة للآمال تضع الخير المركب في مواجهة شر لا يمكن تصوره.

 

  وربما هذا الأسلوب الملتوي تتبعه أحيانًا النخبة اليسارية العربية في مناقشة أي نهج اصلاحي سياسي أو اقتصادي بشكل عقلاني بل و تتعمد استثارة العامة بشعارات زائفة  تحرضهم على الفوضى كما حدث في أحداث 17 و 18 يناير التي أحرقت القاهرة وأجبرت حكومة عبد العزيز حجازي علي التقهقر  وإلغاء كافة القرارات و تكرر نفس الامر في تونس التي اشتعلت بأحداث أنتفاضة الخبز  1984 حتي أطفئ بورقيبة نيرانها بالرضوخ للغوغائية.

 

ومنذ ذلك الوقت، أصبح الاقتراب من هذا الملف هو بمثابة أسطورة رأس الذئب الطائر التي يخشاها الجميع لذا عندما أعلن الرئيس بشجاعة تحمله المسؤولية السياسية لقرار تحريك سعر الخبز الثابت منذ الثمانينيات في محاولة جسورة لإصلاح الخلل الذي اثري مافيا التجار وأصحاب المخابز  جراء الفرق بين السعر المدعم والحر للدقيق.

الكل يدرك ان الدعم لا يصل كاملا إلى مستحقيه فهناك 66 مليون مستفيد نصفهم علي الأقل خارج خط الفقر بدليل الإهدار الجسيم الذي يصل لأكثر من 35% تذهب إلى الحظائر كعلف للبهائم لأنه أرخص من العلف التقليدي والمؤكد ان أحوال الفقراء لم تتحسن لذا التحول إلى الدعم النقدي هو السبيل الأقوم للقضاء علي منظومة الفساد خاصة وأن دعم (السداح مداح) تسبب في تغيير العادات الغذائية للأسوأ ما زاد أمراض الأنيميا وسوء التغذية ولأصبح المواطن المصري يستهلك من القمح نحو 180 كيلو سنويا مقابل 80 كيلو  عالميًا.

 

هناك تدليس نخبوي مقصود في مسألة الدعم  لأسباب سياسية لا تخفي علي أحد.

ليت المزايدين بشعارات زائفة يكفّون عن التمسح بقميص عثمان ويحبون الفقراء مثل السويسريه إيفلين بواريه التي  أكسبتهم مهارات صناعة الخزف وأخرجتهم من دائرة العوز إلى رحاب الحياة الكريمة وجعلت قرية تونس بمحافظة الفيوم (براند عالمي)، وقدمت نموذجًا يُحتذى به وبدون ضجيج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى