مقالات

تلك الرائحة في تلك النقابة!! (بقلم محمد ناجي المنشاوي- مصر)

يشرف أي امريء أن يكون من المعلمين المصريين الذين أفنوا عمرهم وصحتهم في مهنة تهلك المشتغل بها، لما يلقاه على امتداد عمله من مشاق وعنت وأمور كثيرة، تأتي عليه كما تأتي النيران على خشبها.. وغني عن التذكرة بقول الرسول الكريم (إنما بعثت معلما)، فليس هناك شرف أعلى من ذلك الشرف، وليست هناك مهنة أنبل من تلك المهنة على الإطلاق.

   ومهما كتبت في هذا الصدد، فلن تكفيني مئات بل آلاف الصفحات، لأنه من العبث الحديث عن بدهيات يعلمها القاصي والداني، ومن المعلوم بالضرورة أن نهضة الأمم وتقدمها لا تقوم إلا بعقول وسواعد معلميها، ومن ثم يكون إهمال هؤلاء المعلمين وعدم الإصغاء إلى مشاكلهم الحياتية والحيوية مؤشراً خطيراً ذا دلالات منذرة تضرب بقوة في مستقبل هذا الوطن.

 ولما كانت نقابة المعلمين المنوط بها الدفاع عن حقوق المعلمين غائبة بالكلية عن مصالح المعلمين، فتلك هي الطامة الكبرى؛ فهذه النقابة- التي يبلغ عدد أعضائها الذين بلغوا سن التقاعد قرابة 259859 غير 200000 من الورثة وفق إحصائية الموقع الإلكتروني لصحيفة (اليوم السابع)- في تاريخ 15 من فبراير 2021 وفي تصريح لخلف الزناتي في ذات التاريخ، قال إن عليه تدبير الاعتمادات المالية لكل دفعة كل ثلاثة أشهر وإن كل دفعة تحتاج حوالي 135 مليون جنيه.

 والواقع أن خلف الزناتي- وهونقيب المعلمين المصريين ورئيس اتحاد المعلمين العرب- لم يضبط ذات مرة وهو يتواصل مع أعضاء نقابته مفسرا أو موضحا أومفندا أو مدافعا أو مزيلا لشك، وإنما الرجل مؤثر الصمت غير عابئ بصرخات المعلمين الذين تتأخر دفعات معاش النقابة عنهم وهي بامتياز أموالهم وحقوقهم التي استقطعت من رواتبهم كمدخرات لهم ليحصلوا عليها بعدإحالتهم إلى التقاعد.

  ومن يطالع صفحات معاش نقابة المعلمين، سوف يجد مأساة حقيقية؛ فآلاف النداءات والاستغاثات ترفع إلى السيد النقيب خلف الزناتي، ولكنه يلقى بكل ذلك دبر أذنه ولا يعيرهم أدنى اهتمام، حتى أعضاء النقابات الفرعية يحذون حذو نقيبهم الصامت اللائذ بمكمن خفي.. وهذه النقابات الفرعية كم من شبهات اختلاس وفساد مالي حامت حولها، وكم من قضايا فساد بها ثبتت عليها بمعرفة تحقيقات النيابة.

 إن نقابة المعلمين منذ نشأتها في مارس 1955 وهي تتلقى ضربات موجعة من الداخل والخارج.. ولقد كافحت أجيال من المعلمين قبل ثورة 1952 م من أجل ظهور هذا الكيان النقابي لحماية حقوق المعلمين حتى تم لهم ذلك، ولكن تاريخ النقابة- تاريخ في معظمه- تفوح منه على توالي مراحله رائحة غير طيبة حتى أنها نقابة تلوذ ومعها أذرعها في النقابات الفرعية بالحكومات المتواترة بالنفاق والتملق لكي تبقى في مقاعدها راسخة رسوخ الجبال محمية من كل جانب ومستفيدة من طول البقاء!!

   ولو سألت أي معلم عن عدد المرات التي علم فيها بموعد انتخابات النقابة أو عدد المرات التي أدلى فيها بصوته فيها.. فلن تجد إجابة حتى أن بعضهم لا يعرف مقار تلك اللجان النقابية؛ فكل شيء يتم في الصمت والخفاء، ولا نعرف مواقف إيجابية لتلك النقابة نحو أعضائها إلا في حالات نادرة للغاية.

 إنني أعتقد أن مايقع في النقابة العامة للمعلمين ولجانها الفرعية مدبر ومقصود؛  لإذلال أعضائها الشرفاء على طريقة (جوع كلبك يتبعك).. وأعتذر عن هذا المثل لمعلمينا الذين نقبل أيديهم الطاهرة ونضع فوق هاماتهم أكاليل الشرف والنبالة وأود أن نتذكر ماقاله أحمد مرسي بدر الذي تولى وزارة المعارف في وزارة إبراهيم عبد الهادي (26 يوليو 1949 _ 3 نوفمبر1949) : (أنه لايمكن لأي مجنون أن يساعد على تكوين نقابة للمعلمين وهم ما هم عددا وعدة).

 ومن مهازل النقابة عند نشأتها وفي أول عهدها، أنها  اشترطت لحصول المعلم على معاش، أن يتقدم بشهادة فقر تثبت عجزه وحاجته الماسة إلى معاش نقابي!! فيا الله، أي مهانة يلقاها المعلم المتجرع أقداح الذل ليحصل على حقه بينما يرى تلاميذه في كل مكان يتمتعون بكل مظاهر الحياة الكريمة.

 وكم احترفت جماعات من شيوخ المعلمين العمل النقابي فسيطروا على النقابة ومقاعد مجلس إدارتها لفترات طويلة دون أن يقدموا شيئا نافعا للمعلمين، حتى مجلة الرائد التي كانت نشاطا ثقافيا للمعلمين والتي بدأت نشاطها في يناير 1956 سرعان ما تحولت إلى بوق يدافع عن مسالك نقباء المعلمين وتبرر مفاسدهم.

 وهكذا كان من الطبيعي أن تفقد تلك النقابة مصداقيتها لدى جمهور المعلمين لتختفي تماما من المشهد!!

وإنني من خلال هذا المقال وهذا المنبر الصحفي المحترم؛ أدعو لجنة التعليم بالبرلمان المصري المحترم، أن تتحرك على عجل لإنصاف معلمي مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى