ملفات

معارضة تدريس «العربية» في إسرائيل.. تأصيل للواقع وتفعيل للمستقبل (علي الحاروني- مصر)

اللغة هي الأداة الوحيدة لتحقيق السلام بين الشعوب حيث تيسر لنا سبل فهم الآخر وتغيير الصور النمطية السلبية تجاهه ما يخلق أجواء التفاهم والتعايش بين البشر، ومن هنا تعددت المبادرات لتعليم اللغة العربية في إسرائيل، والتي بلغت مداها بمناداة البعض في أن تصبح إسرائيل مركزاً  لتعليم اللغة العربية بالشرق الأوسط يجذب الطلاب من أوروبا والولايات المتحدة وأن تكون جامعة بن جوريون في بئر سبع مقصداً عالمياً لتعليم اللغة العربية.

 

 

ولكن مع تعدد التيارات السياسية والفكرية فى إسرائيل ما بين مؤيد ومعارض لتعلم اللغة العربية جعلها تتخذ منهجاً خاطئاً فى تعلم اللغة العربية سواء فى أسلوبها أو في إطارها حيث أن الدافع العسكرى أو الأمنى يشكل أحد دوافع تعليم اللغة العربية داخل اسرائيل.

 ومن هنا فلا عجب أن نجد أحدث التقارير والإحصائيات الصادرة من معهد فان لير وجامعة تل أبيب تشير إلى انخفاض مستويات قراءة العربية بين السكان الإسرائيليين اليهود فوفقاً للتقرير فإن 90% من الإسرائيليين اليهود لا يستطيعون التحدث باللغة العربية و83% لا يستطيعون فهمها، كما وجد أن 2.6% فقط من الإسرائيليين اليهود بوسعهم قراءة صحيفة عربية و 1% يمكنهم قراءة الأدب.

أولاً- الحركة الإسلامية وإسقاط مشروع قانون تدريس اللغة العربية في المدارس الإسرائيلية:

وسط تضارب ردود الأفعال تجاه تدريس اللغة العربية فى المدارس الإسرائيلية والتي ظهرت ملامحها مؤخراً فى أوائل أكتوبر 2021 حيث رفضت الكتلة العربية الموحدة والمشهورة بـ (الحركة الإسلامية) والمشاركة في ائتلاف في الحكومة برئاسة نفتالي بينت ـ مشروع القانون المقدم من ( ياريف ليفين ) عضو حزب الليكود المعارض لتدريس اللغة العربية فى المدارس الإسرائيلية مبررين رفضهم بأنهم ملتزمون بمواقف الائتلاف الحاكم بإسقاط مقترحات قوانين المعارضة.

ومن المفارقات الغريبة  هو إقرار الكنيست الإسرائيلى من قبل فى عام 2016 قانوناً بإلزامية تدريس اللغة العربية للطلاب الإسرائيليين وبالمقابل إلزامية تدريس اللغة العبرية للطلاب العرب اعتباراً من س السادسة وهو المشروع المقدم من قبل ممثل حزب الليكود اليمينى (أورين حزان) رغم أن الحزب طالما عارض بشدة تدريس اللغة العربية فى المدارس بحجة أنها تمثل خطراً وتهديداً على كيان الدولة اليهودية حيث هيأ أعضاء هذا الحزب فى عام 2014م مشروع قانون تحت اسم (يهودية الدولة) أو قانون إسرائيل (دولة القومية اليهودية) يقضى بإلغاء مكانه اللغة العربية كإحدى اللغتين الرسميتين للدولة.

ولعل ما دفع حزب الليكود اليميني لتغيير موقفه هو تصاعد المواجهات العنيفة بين الإسرائيليين والفلسطينيين والتى خلقت رعباً وخوفاً مستمراً لدى الإسرائيليين الذين يرتعدون عند سماع أحد الأشخاص يتحدث بالعربية فى الأماكن العربية.

 

ثانياً- إلزامية تعليم اللغة العربية فى إسرائيل ما بين مؤيد ومعارض:

لقد تباينت ردود الأفعال تجاه قضية تعليم اللغة العربية فى المدارس الإسرائيلية ما بين مؤيد ومعارض على النحو التالي:

* الاتجاه المؤيد: لإلزام تعليم اللغة العربية في المدارس الإسرائيلية وهو الذي يرى إن ذلك سيساهم بدرجة كبيرة فى زيادة التفاهم بين الإسرائيليين والعرب وتحقيق الاندماج الاجتماعي من منطلق وجوب التصدي للفواصل بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية التى تزيد على مليون ونصف المليون نسمة بما يمثل 18% من سكان إسرائيل.

 

علاوة على ان اللغة العربية هى لغة الإسلام التى يحتاج اليهود إلى أن يبنوا جسوراً من التفاهم والتواصل معها وهى لغة العرب التى يجب أن تسعى إسرائيل الى السلام معهم ولغة الفسلطينيين التى تحتاج إسرائيل لأن تتصالح وتتعايش معهم.

 

كما أن إدماج المدرسين العرب فى المدارس اليهودية وتدريبهم على كيفية تناول الموضوعات الشائكة سيساعد الأطفال على تغيير الصورة النمطية السلبية لديهم، الى جانب أن استخدام مناهج متعددة بما فيها اللغة العربية فى إسرائيل أمر هام وحيوى سيساهم في تخفيف الانقسام والاستقطاب القومى الذى تعانى منه دولة اسرائيل ويهدد استقرارها.مع العمل علي توفير الأجواء النفسية لليهود الذين يجهلون العربية ويظنون أنهم مستهدفين من قبل الأقلية العربية.

 

* الاتجاه المعارض لإلزامية تعليم اللغة العربية فى إسرائيل يرون أن تشجيع الطلاب على تعلم اللغة العربية أمر جيد ولكن الخطأ أن يكون إلزامياً وأن تعليم اللغة العربية ليس إلا مضيعة لوقت الطلبة الإسرائليين لأنهم لا يوظفونها في حياتهم العملية، إضافة إلي أن قرار تدريس اللغة العربية سيتطلب من المؤسسة التعليمية تأهيل ما لا يقل عن خمسة آلاف مدرس عربي علي أعلي مستوي وهو أمر صعب في الوقت الراهن لعدم توافر هذا العدد من المدرسين العرب.

 

وهناك من يري أنه ليس هناك داع لتعلم هذه اللغة مادام هناك حالة كراهية وعدوانية  من جانب العرب ولا مجال للتبادل الثقافي والإنساني معهم حيث لا توجد ثقافة مشتركة بين الإسرائليين والعرب خاصة وان الثقافة العربية تدعو للعنف والقتل وأن هناك تخوف من أن الأطفال الإسرائليين وبما يتأثروا بالأفكار المتطرفة التي يروجها بعض المدرسين العرب القائمين علي تدريس اللغة العربية في المدارس الإسرائيلية.

ثالثاً- رؤية مستقبلية للغة العربية في المدارس الإسرائيلية وكيفية تفعيل دورها

يمكن مجابهة الأصوات المعارضة والتي تتحدث عن أن البعد الأمني والعسكري هو الدافع لتعلم اللغة العربية وأن هناك تنافر فكري وثقافي بين العرب وإسرائيل وذلك لأن الحقائق التاريخية تتحدث بما يخالف ذلك لأن هناك عدد كبير من الإسرائيليين ممن هاجر أجدادهم لإسرائيل من عده دول مجاوره لإسرائيل مثل مصر واليمن والعراق والمغرب وكانوا يتحدثون اللغة العربية ، علاوة علي التداخل الفكري والأدبي بين الكتاب العرب واليهود في الماضي حيث كان هناك أدباء يهود كتبوا أعمالهم الأدبية باللغة العربية مثل سامي ميخائيل وإسحاق بارموشيه ، كما أن هناك كتاب عرب كتبوا أعمالهم باللغة العبرية ومنهم نعيم عرايدي ، سهام داوود وفاروق مواسي و سلمان مصالحه وهذا ما يؤدي إلي التقريب والتآلف بين الشعوب . إلي جانب مبادرات فريده مثل ” مبادرة ياسلام ، ومبادره هيا بنا نتحدث ” والتي جمعت بين الطلاب الاسرائليين والعرب لدراسة اللغة العربية والثقافة والمسرح والتي أسهمت في التقارب بينهم وكسر الجمود الثقافي .

كما أن العنف المتصاعد بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني خاصة في قطاع غزه يحتم البحث عن أرضية مشتركة لإرساء التعايش السلمي وأفضل طريقة لتحقيق ذلك هي اللغة والثقافة حيث أنه ليس من المنطق إهمال لغة مليون ونصف المليون نسمة ممن يتحدثون العربية ويمثلون 18% من سكان إسرائيل.

 وهذا ما يجب أن تدركه المؤسسات التعليمية فى إسرائيل حيث يجب أن تعي أن تعليم اللغة العربية هو إحدي ركائز تعزيز السلام والتعايش السلمي والمساواة والتسامح ووسيلة لدعم التقارب بين الإسرائيليين والفسلطينيين الذين يعيشون في إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة.

وإذا كان الدافع الأمني والعسكري هو الحافز لتدريس اللغة العربية في اسرائيل فإن المستقبل يتطلب التبادل الثقافي والفكري وإتقان اللغة العربية فذلك سينعكس بالإيجاب علي العلاقات العربية الإسرائيلية بشتى صورها ويعمل علي تسريع وتيره التطبيع مع دول الجوار كما حدث في اتفاقات إبراهام بين إسرائيل ودول الخليج.

وفي النهاية، يجب التأكيد علي أن الصراعات القائمة بين الحكومة والمعارضة فى إسرائيل والتي بدأت ملامحها في رفض الكتلة العربية الموحدة والمسماة بالحركة الإسلامية ستحدد بكل تأكيد مستقبل اللغة العربية في التعليم الإسرائيلي ما بين التفعيل أو التقليل من شأنها علي الرغم من زيادة التطبيع العربي مع إسرائيل في صورة (اتفاقات ابراهام) في الآونة الأخيرة، فالحراك السياسي الداخلي الإسرائيلى سيحدد ملامح مستقبل اللغة العربية في المدارس الإسرائيلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى