مقالات

أتراح اللغة العربية.. وآفات العصر الرقمي!! (بقلم: د.خالد محسن- مصر)

لغتنا العربية الجميلة، ربما تئن، وتتوجع أو تمرض قليلا،لكن لغة القرآن الكريم، والذي زادها عزا وشرفا وسموا، لن تموت أبدا وستظل قيثارة لغات العالم والدرة المكنونة.. ثرية المفردات والمعاني والكلمات.. بليغة الأساليب والتعبيرات ، ناطقة بقيم الجمال والحق والخير والعدل.. و(بلسان عربي مبين).

كما قال رب العزة عز وجل.

وقد ظلت لغة العرب منارة للحضارة ومنبرا فياضا بالمعرفة والفصاحة والتنوع والعمق والثراء، حتي عرفت بلغة الضاد، والذي تفردت به، فقال عنها الشاعر المصري الكبير أحمد شوقي:

(إن الذي ملأ اللغات محاسنا …جعل الجمال وسره في الضاد).

 وقال شاعرالنيل حافظ إبراهيم متخيلا أن العربية تتحدث عن نفسها:

(أنا البحر في أحشائه

الدر كامن…فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي).

وقد احتفي العالم منذ ساعات قليلة باليوم العالمي للغة العربية ، الموافق الثامن عشر من ديسمبر، والذي حددته الأمم المتحدة عام 1973 ، احتفالا وإحياء لذكري إعتماد اللغة العربية كلغة عالمية رسمية في طليعة اللغات الأساسية الأخري كالإنجليزية والفرنسية ، لما تملكه من مقومات دعم التواصل الحضاري والإنساني وتعدد الثقافات.

وستظل العربية لغة الإبتكار والتجديد ومن أكثر اللغات إنتشاراً وإستخداماً في العالم، في أكثر من 60 دولة، وهي من اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة حيث يتكلمها أكثر من مليار ونصف المليار مسلم حول العالم وذلك لقدرتها على التطور ومواكبة وإستيعاب التغيرات العالمية ولدورها الثقافي والتاريخي والعلمي.

 وقد كانت وما تزال جسرا لنقل تاريخ ثقافة الحضارات العربية عبر الزمن ومن أهم العوامل التي حافظت على توحيد الأمة العربية من المحيط إلى الخليج.

واعتقد أنها تواجه عثرات وتحديات جمه في عصر صعود لغات العولمة وإبتعاد معظم البلاد عنها خاصة فى ظل العالم الإفتراضى إمتناع الكثير من المنصات الرقمية عن إستخدامها فى المحتوى المنشور واستبدالها بمفردات عامية فى محاولة للتقرب من المتلقى وإيصال المعنى بسهولة مما أضر باللغة العربية ضررا بالغا وساهم في إضعافها، وتراجعها.

 ولعل من أهم وسائل اليقظة الحضارية الوعي بمقومات الهوية وإحياء علوم اللغة العربية التي أسهمت فى حفظ تاريخ العرب قديماً وحديثاً وكانت معجزة نزول القرآن الكريم بهذه اللغة الأمر الذى أضفى عليها القدسية والعناية الإلهية وأصبحت لغة أمة اسلامية قادت الدنيا لقرون متتالية وعبرت بالمعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا فى عصر النهضة.

كما أن اللغة العربية تمتلك سجلاً ضخماً من المخطوطات العربية والإسلامية وأمهات الكتب والمعارف، وتتربع علي عرش لغات العالم وبما تملكه من معارف ومراجع، دون منازع وهى هوية الأمة العربية ،و ركن أصيل من أركان التنوع الثقافي للبشرية.

 وهي أيضا إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم، إذ ينطق يومياً ما يزيد على 430 مليون نسمة من سكان المعمورة ،حيث يتوزع متحدثو العربية بين المنطقة العربية والعديد من المناطق الأخرى المجاورة لها كتركيا وتشاد ومالي السنغال وإرتيريا، ونيجيريا وغيرها والكثير من دول شرق آسيا.

 وللعربية سجايا وخصوصية وأهمية قصوى لدى المسلمين، فهي اللغة المقدسة، ولا تتم الصلاة وعبادات أخرى إلا بإتقان بعض كلماتها ،

كما أنها لغة شعائرية اساسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في المنطقة العربية،و كتب بها كثير من أهم الأعمال الدينية الفكرية واليهودية في العصور الوسطى.

وتتيح اللغة العربية الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع والثراء بجميع أشكاله وصوره، كتنوع الأصول والمعتقدات، والشعائر، كما أنها أبدعت بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصحي والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة ، كما سادت العربية لقرون طويلة من تاريخها بوصفها لغة السياسة والعلم والأدب والفلسفة، فأثرت تأثيرًا مباشرًا وغير مباشر في كثير من اللغات الأخرى بالعالم الإسلامي، مثل: التركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية وبعض اللغات الإفريقية الأخرى مثل الهاوسا والسواحلية، وبعض اللغات الأوروبية وخاصةً المتوسطية منها كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية.

وفضلا عن ذلك، مثلت حافزاً لإنتاج ونقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة.، كما أتاحت إقامة الحوار بين الثقافات على طول المحاور والمسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الأفريقي.

وفي عصر المتغيرات الرقمية والمستجدات الهادرة تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن لتزيد أوجاع اللغة العربية ألما وتقرحا ما بين مطرقة ،حملات الغزو الثقافي وتطلعات الإحتلال الوجداني وتهميش العقل العربي، وسندان إهمال وجحود أبنائها.

هذا علاوة علي أمراض وآفات العصر الرقمي الذي طرح فكرا استهلاكيا غربيا له مفردات ولغة جديدة!.

وفي زمن التراجع والركوع الحضاري التدريجي ، لا عجب أن تجد دولا تمنع التخاطب إلا من خلال لغتها الرسمية!.

وأتذكر أنه في زيارة لي عام 2006 لفرنسا مرافقا لرحلة أوائل الثانوية العامة رفضت إحدي الموظفات بمترو باريس الحديث معنا باللغة الإنجليزية، اعتزازا بلغتها، وقد أسعفتنا بعض الكلمات من فرنساوي الثانوية العامة ،للخروج من هذا المأزق، وعلي النقيض تجد الكثيرين من أجيال الشباب يصر علي التقليد والمحاكاة العمياء ،ويصر علي كتابة الرسائل العربية علي مختلف شبكات ومنصات التواصل

 بالحروف الإفرنجية، أو إستبدال تعبيرات ومفردات لغتنا بمصطلحات إنجليزية أو فرنسية عند التحدث ليبدو مسايرا للعصر، كما تأثر بعض النخب والمثقفين بهذه التقاليع الخبيثة.

وأتصور أنه لا يليق بنا نحن العرب، أن نكتب الأسماء علي مختلف حسابات (الفيس بوك وتوتير وغيرها إلا باللغة العربية التي تعمق الإنتماء وترسخ الهوية الأصيلة.

وقد أصبح لزاما العمل الدؤوب علي محاور عديدة لإعادة اللغة العربية لمكانتها المرموقة ومواجهة موجات العولمة وكافة الأفكار المستوردة والمحاولات المستمرة لطمس الهوية وإضعاف لغة العرب.

وفي هذا السياق وتصحيحا للمسار أطلقت د.نبيلة مكرم وزيرة الهجرة والمصريين في الخارج مبادرة (إتكلم عربي)، حيث تم تدشين أول تطبيق إلكتروني لدعم اللغةوالثقافة العربية والقيم الوطنية لدي أبناء المهاجرين خارج حدود الوطن.

وأتصور ان هناك مسؤولية لوزارة الثقافة بما تملكه من صروح أدبية وقصور ثقافية، وتبدأ أيضا من الأسرة ثم مؤسسات التربية النظامية كالمدارس والجامعات ،وغير النظامية كالأحزاب والأندية ودور العبادة ومراكز الشباب وغيرها ، إضافة لضرورة الإهتمام بإعداد وصياغة رسالة إعلاميه متوزانه وفعالة للمشاركة في إنقاذ لغتنا العريقة قبل فوات الأوان !.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى