ملفات

رسالة دكتوراه «القيعي» تناقش مستويات الحِجاج في إبداع أبي حيان التوحيدي

تقرير: سمير محمد شحاتة

حصل الزميل محمود القيعي، الصحفي بالأهرام على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى في الأدب العربي من كلية الآداب- جامعة القاهرة عن أطروحته «مستويات الحِجاج في إبداع أبي حيان التوحيدي .. كتاب أخلاق الوزيرين.. أنموذجًا».

أشرف على الرسالة د. عبد الله التطاوي أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب جامعة القاهرة، وناقشها كل من: د. محمد يونس عبدالعال أستاذ الأدب العربي بجامعة عين شمس، ود. ناصر الموافي أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة.

اشتملت الرسالة على مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، حيث تناول الفصل الأول: «مستويات الحِجاج .. من بلاغة العبارة إلى بلاغة الخطاب»، وتناول الفصل الثاني: “طرق الحجاج عند أبي حيان”، وناقش الفصل الثالث: «الصورة الفنية وأثرها حجاجيًا». ولخصت الخاتمة أهم النتائج التي توصلت إليها الرسالة.

يقول الباحث إن أبو حيان التوحيدي يُعد واحدًا من كبار كُتّاب العربية الذين كان لهم دور متميز في مجال الكتابة الأدبية الرفيعة، حيث تنطوى كتاباتهم على أهمية كبيرة، لما تتضمنه من غنى في الرؤى، وجمال في الأسلوب. وقد أثار أبو حيان من الجدل النقدي حوله الكثير -ولا يزال- فاتخذه كثير من الباحثين محورًا لدراساتهم وأبحاثهم.

  ويبدو البُعد الفلسفي جليًا في تكوين أبي حيان، وليس أدل على ذلك من وصف د. زكريا إبراهيم له بأنه «أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء»، وهو الوصف الدال على أن أبا حيان كان جسرًا بين الفلسفة والأدب.

والدراسات التي تناولت أبا حيان كثيرة، سواء على المستوى النقدي، أو الأدبي، أو الجمالي أو الفلسفي، ولكن قليل هم الباحثون الذين درسوا نظرية الحجاج في كتاباته، على الرغم من جدة الموضوع وأهميته وجدواه في إضاءة النص الأدبي، والحوار معه بطرائق علمية جديدة تُفيد من النظريات الأدبية المعاصرة، بقدر ما تعيد النظر، وتتحاور، وتقلب في النصوص العربية القديمة الثرية، لمحاولة الوصول إلى نتائج جديدة.

  وقد أورد ياقوت في معجمه ثبتًا بأسماء بعض كتب أبي حيان، فنص على ثمانية عشر كتابا. وقد ذهب د. زكريا إبراهيم إلى أن ثمة كتبًا أخرى لم يشر لها ياقوت، بينما أشار إليها التوحيدي نفسه في كتبه، مثل كتاب «النوادر»، وكتاب «الكلام في الكلام».

 والكتاب الذي اخترت أن يكون موضوع الدراسة (أخلاق الوزيرين)، حافل بالأقاصيص والروايات التي يسردها التوحيدي علينا، لإقناعنا ببخل الوزيرين ورقاعتهما وسخفهما وقلة دينهما، ومجونهما وادعائهما وتفاخرهما الكاذب وتصرفاتهما المشينة .. إلخ، ولا يخلو الكتاب بين الحين والآخر من ملاحظات سيكولوجية طريفة، وتصوير هزلي ساخر، وأحاديث فلسفية شائقة، وتعليقات لغوية دقيقة، وأبيات شعرية رقيقة.

وتهدف هذه الدراسة إلى تحليل إبداع أبي حيان في ضوء نظريات الحجاج، لاسيما إذا كانت القراءة في كتابه «أخلاق الوزيرين» الذي لم تتم دراسته حجاجيًا بالشكل الذي يستحقه. ويحاول البحث استثمار معطيات النظرية الحجاجية (البلاغة الجديدة) التي حاولت توظيفها في تحليل خطابه واحدًا من كبار كُتّاب النثر العربي الذي شغل الناس بكتاباته النثرية الطريفة التي تستحق المزيد من القراءة والدراسة.

  والبلاغة الجديدة التي رفع لواءها (بيرلمان) و(تيتكاه) تركز على التكنيك الذي يستخدمه الكلام لتحقيق الإقناع، أما الحجج التي ليست عائدة إلى التقنيات البلاغية فلا يعنيهما أمرها. لهذا فإن موضوع نظرية الحجاج عندهما يبدأ من تحليل «درس تقنيات الحجاج التي من شأنها أن تجعل العقول تسلم بما يعرض عليها من أطروحات، أو تزيد في درجة التسليم».

 والناظر في عمق كتابات أبي حيان التوحيدي، لاسيما في كتابه «أخلاق الوزيرين»، يجد أن خطابه يتميز بحجاجيته الرامية للإقناع، ومقاصد التأثير في المتلقي، والهيمنة على ضمير جمهوره حتى إنه تحدث صراحة وهو ابن القرن الرابع الهجري عن «الحجة الناصعة» و«الحجة الأنور».

  وقد قُسمت الدراسة إلى تمهيد، وثلاثة فصول: أما التمهيد فيتناول القضايا التي تناولها أبو حيان في كتابه «أخلاق الوزيرين»، وهي قضايا متنوعة، منها الأدبي، والثقافي، والسياسي، ومنها الاجتماعي، والأخلاقي، والقيمي. فضلاً عن قضايا اللغة التي كان لأبي حيان فيها قدم راسخة، مع ما حولها من تشكيلات الصياغة الجمالية وأبنية الصور الفنية.

أما الفصل الأول فقد توقف عند عرض مستويات الحجاج من بلاغة العبارة، إلى بلاغة الخطاب، وفيه عرَّج الباحث على مفاهيم الحجاج في مصادرنا القديمة والدراسات المعاصرة، حيث تم عرض البُنَى الحجاجية في البلاغة العربية القديمة، مع ما أُضيف إليها من التطور والتجديد والابتكار والحداثة. وتطرق الفصل الثاني إلى وسائل الحجاج عند أبي حيان، كيف كان يقيم خطابه الحجاجي؟ وكيف كان يحدد أبعاده ويترسم خطاه؟ وما القوى المضادة التي كان يفندها؟ وما طريقة عرضه للآراء المخالفة؟ وما الذي يجعل خطابه الحجاجي قويًا وحيويًا؟ وأي آليات لغوية يعتمد عليها؟

  وكيف استطاع استخدام الطرفة، وأطلق روح الفكاهة في سياق خطابه الحجاجي؟ ثم كيف استطاع أن يجعل من كتابة الذم والهجاء كتابة في الأدب والنثر الفني والحجاج؟ ويبقى السؤال الأهم حول أي استراتيجية اتبعها الكاتب في سياسة القول، واستراتيجية الجدل، وما القيمة الحجاجية لكتاباته من واقع عدة تساؤلات فرعية من بينها: كيف يُخاطب أبو حيان الآخر؟ وماذا يترك للمتلقي ولعقله؟ وكيف يتوصل إلى نتائجه: هل يجملها أم يفصلها؟ هل يخلص إليها بحسم وجزم أم بشك وريبة؟ وما درجة تماسكها واتساقها اللغوي؟.

  أما الفصل الثالث، فقد توقف عند الحديث عن الصورة الفنية، ومحاولة بيان أثرها حجاجيا في كتاب أبي حيان «أخلاق الوزيرين»- موضوع الدراسة- حيث تم فيه استعراض دور الصورة في الإقناع والإمتاع معًا، وطبيعة التأثير في المتلقي فكرًا وشعورًا، حيث عدت البلاغة الجديدة «الصورة الفنية» من أهم التقنيات التي يتوسل بها الخطاب في التأثير على المتلقين وإقناعهم إلى جانب إمتاعهم.

  واللافت في الصور الفنية التي وظفها أبو حيان أنها كانت مستمدة من حياة المتلقين في عصره، ومن واقع سلوكهم اليومي وموروثهم الشعبي، وعليه فقد كان واضحًا أن المتلقي كان دائما حاضرًا في كتابات أبي حيان، وقائمًا في ضميره وفكره.

بالنسبة لموضوع مستويات الحِجاج في إبداع أبي حيان، اكتشفت أن مفهوم الحجاج والإقناع كان راسخًا عنده وهو ابن القرن الرابع الهجري، أحصيت له مئات المفردات التي تحدث فيها عن الحجة، والبرهان، والدليل، والإقناع، والاستدلال وغيرها.

  مثلاً يقول مخاطبًا المتلقي: وأنا أروي لك القصة كي تكون الفائدة أظهر والحجة أنور! (أخلاق الوزيرين)، ويقول في موضع آخر: “ما وصلنا- حاطك الله- حديثًا بحديث وكلمة بكلمة إلا لتكثر الفائدة، ويظهر العلم، ويكون ما صرفنا القول فيه مرفودًا بالحجة الناصعة والإمتاع المونق”. (أخلاق الوزيرين) نظريات الحجاج التي تُعد أحدث النظريات الحديثة لازمة لهذا العصر وكل عصر يؤمن أبناؤه بطرق الإقناع للوصول إلى الحقيقة. أبو حيان كان يضفر خطابه بكل أنواع الحجج حتى يقنع المتلقي ويؤثر فيه من ذكر أخبار وأحاديث وقرآن وشعر وذكر وقائع مشاهَدة من قبل المتلقي.

 من نتائج الدراسة: دائرة الحجاج واسعة تسمح بتعدد الآراء والأصوات. صدق النتائج في حجاج أبي حيان لا يُقاس بصدق القضايا التي يتناولها أو كذبها كما هو الحال في البرهان، وإنما يُقاس بمدى تماسك الخطاب وتضافره وانسجامه.

«أبو حيان» كان يلجأ إلى الصورة الفنية المستمدة من عالم الناس يقول واصفًا أحد الأغبياء: «فكان كالحمار بلادةً» (أخلاق الوزيرين). لأبي حيان منهج في استخدام الصور الفنية، حيث كان يعنى بتوليد الصور (سواء أكانت تشبيهًا أو استعارة)، ويحرص على تواليها، ليرسم من الصور المتتالية لوحة فنية لا يجد المتلقي بدًا من التسليم بما يقوله التوحيدي.

  من أبرز الوسائل التي استخدمها أبو حيان في حجاجه: الوضوح، والتفصيل بعد الإجمال، واستخدام الاستفهام التقريري بكثرة لافتة، والقرآن يستخدم دائمًا الاستفهام للإقناع: (ألم نشرح لك صدرك)، (ألم يجدك يتيمًا فآوى)؟ (أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون”، “فهل يهلك إلا القوم الفاسقون)، (أفغير الله أبتغي حكمًا).

   من الوسائل التي استخدمها أبو حيان في حجاجه أيضًا التكرار، والاستقصاء، واستخدام الجمل الموسيقية التي تستعذبها الأذن وترددها دائمًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى