ملفاتمميز

المواطنة العالمية والثورة الرقمية.. تكامل لا تعارض!! (بقلم: علي الحاروني- مصر)

إن المواطنة تحقق درجة عالية من الاستقرار والأمن والسلام للدولة الوطنية والولاء لها والاستعداد للدفاع عنها وعن مؤسساتها المختلفة خاصة المؤسسات الأمنية التي تمثل العمود الفقري للدولة الوطنية والمسئولة عن حمايتها وإستقرارها وتنميتها.

ليس هذا فقط؛ فالإيمان بالمواطنة والدولة القومية يحقق درجة عالية من الإستقرار والسلام والأمن الدولي لأنه بين مبادئ المواطنة الإيمان بالحوار وحق الآخر في كل الحقوق والحريات والإيمان بالتسامح والمشاركة في كل أشكال التعاون مع الآخرين وضبط الحقوق والحريات للجميع وعدم الإعتداء أو التطرف أو الإرهاب وبما يحقق السلام والأمن والإستقرار العالمي.

 

ويمكن القول إن المواطن ترس منظومة من الثقافات والقيم سواء علي المستوي الداخلي أو الإقليمي أو العالمي ومن أهمها ثقافة المساواه في الحقوق والواجبات وقبول الآخر والتحرر من كل أشكال التعصب والتفرقة والوحدة الإنسانية والتعايش السلمي والتعددية وقبول الآخر ومحاربة الجماعات المتطرفة والإرهابية والديمقراطية والحوار والسلام والأمن الإجتماعي والعمل المشترك لصالح البشرية جمعاء إقليمياً ودولياً.

 

ونحن في عصر السماوات المفتوحة وثورة الإتصالات والمعلومات وتكنولوجيا الذكاء الإصطناعي يأتي الدور الأهم لمواقع التواصل الإجتماعي في ترسيخ مفهوم الولاء والإنتماء وتحقيق المواطنة العالمية من خلال أدواتها . فما هو دور مواقع التواصل الإجتماعي في تعزيز مفهوم المواطنة الإقليمية والدولية , وكيف تمكين تفعيل دورها المستقبلي في ظل التحديات العالمية والإقليمية وفي ظل الحروب الأهلية والمنازعات الإقليمية الإثينية والعرقية والأزمات العالمية الطاحنة لتحقيق مفهوم المواطنة العالمية القادر علي مواجهة التحديات الحالية المستقبلية.

وعلي ضوء كل ذلك سوف نحاول التأكيد علي أنه لا تعارض بين الثورة الرقمية والمواطنة العالمية والتي تمكن تحقيقها من خلال وسائل التواصل الإجتماعي مع بيان العديد من المقترحات لتفعيل دور الثورة الرقمية في تحقيق السلام الإجتماعي العالمي وذلك عبر ثلاثة محاور رئيسة.

أولاً- لا تعارض بين الثورة الرقمية والمواطنة:

لقد أثارت عديد من الدراسات والتقارير بأن سيادة الثورة الرقمية قد تؤدي إلي الإغتراب والإخلال بالمواطنة والوطنية والإنتماء ولكن الحقيقة أن الحرية الثقافية والرقمية هي الضمان الأساسي لكل الحريات وهذا يعني عدم تأثير الثورة الرقمية علي ثقافة المواطنة في الدول المختلفة وأنه لا تعارض بين الثقافة الوطنية وبين الهوية العالمية أو العلمية خاصة إذا استمرت عمليات التنشئة الاجتماعية في مختلف المؤسسات المحلية والإقليمية والدولية بالعمل على الحفاظ بشكل جيد على الوطنية وقيم المواطنة والثقافة المحلية وإرساء مبدأ التعايش السلمي والتعاون والمشاركة بين كل من المصالح الاقتصادية والإجتماعية والثقافية بين الدول.

إن وجود هذا التنوع الثقافي مع الثورات الرقمية والعلمية والأتصالات سوف يزيد من التفاعل الإيجابي بين المجتمعات وتشابك المصالح الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والعلمية فيما بينها , وذلك لأن أدوات الثورة الرقمية تمكن إستخدامها لخلق وعي وثقافة عالمية مشتركة قائمة علي المواطنة والمصالح المشتركة المتعددة والمتنوعة

ثانياً- مواقع التواصل الإجتماعي ودورها في ترسيخ المواطنة العالمية والسلام الأجتماعي:

 إن مواقع التواصل الأجتماعي تتيح للناس التواصل والتفاعل فيما بينهم بما يخلق عالماً إفتراضياً جديداً يمتد من أقصي الأرض إلي أدناها وممما أظهر مكوناً إجتماعياً وثقافياً جديداً يضموا بين جنباته العديد من شرائح المجتمعات لا يجمعهم إلا الشعور الإنساني المشترك بوحدة المصير الإنساني والمصالح المشتركة وتبادل الخبرات والمعلومات فيما بينهم خاصة في ظل جائحة كورونا.

 لقد غيرت الجائحة مفهوم التواصل الاجتماعي حتي أصبح الكون بيتاً واحداً من خلال الخوارزميات والذكاء الاصطناعي والتي من خلالها يمكن تعزيز البناء الفكري والثقافي للشباب وزيادة الشعور بالوطنية والإنتماء والمواطنة وتحقيق طفرة لتشكيل هوية الشباب الوطنية – أكبر المتفاعلين مع شبكات التواصل الإجتماعي – في أبعادها الفكرية والثقافية والتعليمية والتشريعية وذلك بترسيخ مستويات عالية من الثقة في كفاءة الشباب وتحفيز شعورهم بواجب التضحية والعمل من أجل الوطن والوطنية.

ومما لا شك فيه علي الدول الإستفادة من واقع التواصل الإجتماعي لتعزيز مفهوم المواطنة الرقمية بإعتبارها محطات لتعميق المواطنة الداعية إلي الوئام والتعارف والحوار والتعارف ولتكون تعبيرات المواطن وجهات نظره من خلال تغريداته عبر تويتر وفيس بوك وإنستجرام أو سناب شات ويوتيوب وتيك توك وغيرها نابعة من فهم عميق لمسئولياته الوطنية والعالمية.

 

إن هذا المنهج المثالي لإستخدام وإستثمار مواقع التواصل الإجتماعي في تعزيز المواطنة لهو أهم أدوات مواجهة العنف والتطرف والإرهاب الداخلي والعالمي ومن هنا تأتي أهمية إنشاء مشروع حضاري عالمي موحد يسهم في ترسيخ مفهوم المواطنة عبر توظيف شبكات التواصل الإجتماعي وترقية دورها فى الهوية وتأصيل المواطنة العالمية من خلال تبادل الخبرات العالمية العلمية في جميع المجالات والأصعدة.

ويتعين الوقوف بالمرصاد لمحاولات النيل من العلاقات الأسرية أو شيوع ثقافة الإستهلاك أو غيرها من السلوكيات والتدعيات السلبية لمواقع التواصل الأجتماعي ومن ثم يجب الإستفادة من إيجابيات مواقع التواصل الإجتماعي لتحقيق المواطنة من خلال تبادل الخبرات بين الأشخاص والتعبير عن الرأى ونشر حملات التوعية بمشكلات وقضايا العالم وتنزيل التطبيقات المفيدة التي تدعو إلي السلام المجتمعى العالمي.

وتعد مواقع التواصل الاجتماعي من الجوانب المؤثرة والفاعلة في بناء المواطنة العالمية ويمكين أن تسهم بشكل فعال من خلال إضافة محتوي مناسب لكل فئة عمرية بهدف زيادة الوعي العالمي وتنمية الشعور بالمواطنة والوطنية وذلك ايضا من خلال الاستغلال الامثل لمواقع التواصل الاجتماعي لبناء الثقة بين المؤسسات الحكومية والدولية ولتعزيز القيم الايجابية ونشر الوعي الوطني بين مواطني العالم وذلك بترسيخ مفهوم المواطنة ودعم الدولة ومؤسساتها في البناء والتنمية ومواجهة الإرهاب والتطرف وتحقيق الأمن المجتمعي والسلام العالمي

ثالثا- رؤية مستقبلية للمواطنة الرقمية العالمية:

يعد الامن حاجة أساسية للمجتمعات والدول ومؤثراً علي الاسقرار والتقدم والنمو والتنمية وهو ما يقوم ويرتكز في المقام الاول علي المواطنة والحرية والعدل والمساواة لتفعيل أهمية الأمن المجتمعي والإهتمام بتعزيز قيم التعارف والحوار والتفاهم والامن المشترك، هو ما يتطلب بذل المزيد من الجهد ومواصلة السعي لبث روح الانتماء لدي المواطنين وهذا ما يتاتأ من خلال توعية وتربية النشئ علي المواطنة وحقوق الانسان نظرياً وتطبيقاً في المراحل التعليمية المختلفة والتبصر بمفهوم المواطنة والامن المجتمعي وذلك من خلال منصات التواصل الاجتماعي والاعلام الالكتروني والمنابر الدينية والشبابية والاعلامية والتربوية والتعليمية والفكرية وغيرها.

 

هذا مع دعوة النخب الفكرية والعلماء لترسيخ قيم الامن المجتمعي ومواجهة الفكر الارهابي والتطرف وخطاب الكراهية وتعزيز الوسطية الاسلامية ونشر الوعي ، مع انشاء مشروع حضاري موحد يسهم في ترسيخ مفهوم المواطنة عبر توظيف شبكات التواصل الاجتماعي وتوعية المجتمع بمدي خطورة بعض المواقع الخارجية وآثارها السلبية التي قد تؤدي الي تدمير الوحدة الوطنية.

إضافة إلي دعم مجموعات عمل شبابية علي مواقع التواصل الاجتماعي تتبني قضايا وطنية وإجتماعية وثقافية لتأصيل بناء الدولة الوطنية، مع العمل علي تعميم إستخدام مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة في مؤسسات الدولة للتفاعل المباشر مع المواطنين.

وتمشياً مع ذلك يجب تعزيز دور الأسرة والمجتمع في تأصيل القيم الحميدة داخل الشباب والاطفال وتوعيتهم بما قد يضرهم من وسائل التواصل الاجتماعي أو سوء استخدامها.

 كما أنه يجب تعزيز القيم الايجابية التي تحملها وسائل الاتصال الحديثة والإنتفاع بما تقدمه من أشياء إيجابية والبعد عن كل ما يدعو إلي السلبية والتراخي والعنف، مع تنظيم دورات لتوعية الشباب علي حسن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي واستثمار الفوائد العلمية والثقافية والاجتماعية بها.

وفي هذا السياق يجب التأكيد علي أهمية المؤسسات الدينية والاعلامية في تعزيز مفهوم المواطنة العالمية من خلال التكنولوجية الرقمية والمعرفية ونشر ثقافة التعامل الامثل مع المجتمع العالمي الرقمي بما يضمن الحفاظ علي الخصوصيات وعدم الاضرار بالمجتمعات والدول على كافة الأصعدة.

إن المواطنة الرقمية بحاجة إلي عقد إجتماعي دولي تتبناه الدول والمنظمات والمؤسسات الدولية لحفظ حقوق المواطن الرقمي والوطن ويلزمه بواجبات المواطنة المحلية والاقليمية والدولية.

 وما من شك في أن الخطاب الإعلامي والديني يؤديان دوراً مهما في نشر ثقافة التعامل الأمثل مع المجتمع الرقمي العالمي للوصول الي صيغة عالمية لتحقيق المواطنة الدولية العالمية وللحفاظ علي خصوصية وحقوق الدول لتحقيق التوازن بين الأمن الداخلي للدول والسلام العالمي الاجتماعي والمجتمعي وللتصدي للمشاكل العالمية الحالية والمستقبلية.

علي عبدالفتاح الحاروني

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى