ملفات

مستقبل العلاقات الأمريكية- الأفريقية على ضوء القمة الثانية وفي ظل الطموحات الصينية

شارع الصحافة/ إعداد- علي الحاروني:

هناك سباق عالمي على أفريقيا وخاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والصين نظراً لما تتمتع به قارة أفريقيا من ثروات حيث تحتوي على 30% من إحتياطيات المعادن في العالم ويوجد بها نحو 65% من الأراضي الصالحة للزراعة، كما تشكل أكبر إحتياطيات العالم من الكوبالت والبلاتين واليورانيوم ويتركز نحو 90% من معدني الكروم والبلاتين في القارة السمراء بالإضافة إلى 40% من الذهب العالمى وقرابة 10% من المياة المتجددة العذبة.

        كل ذلك شكل دوافع وطموحات قوية لدى الدول الكبرى لمحاولة الهيمنة على أفريقيا اقتصادياً ولعل التحرك الأمريكي ودعوة جوبايدن لـ 49 رئيساً أفريقيا في الفترة من 12 إلي 15 ديسمبر 2022 للقمة الأمريكية الأفريقيه الثانية له أهداف ودوافع قوية تبين ماهيته فلسفة أمريكا تجاه أفريقيا.

فمن خلال بيان أهداف التحرك الصينى فى أفريقيا يمكن فهم آليات ودوافع أمريكا في بسط نفوذها على أفريقيا وملامح الصراع الأمريكي- الصينى فيها لنتعرف في النهاية علي كيفية قيام أمريكا بتفعيل دورها في أفريقيا على ضوء القمة الأمريكية 2022م وهذا ما سنتعرف عليه عبر أربعة محاور رئيسة.

أولاً- واقع النفوذ الصيني في أفريقيا ودوافعة:

تمثل الصين الشريك الأول لأفريقيا فى حين تأتي الولايات المتحدة فى المرتبة الثالثة حيث يمثل حجم التبادل التجاري الصينى الأفريقي نحو 250 مليار دولار فى مقابل نحو 64 مليار دولار حجم التبادل التجاري الأمريكي الأفريقي ، مع زيادة حجم الأستثمارات الصينية الأفريقية من 500 مليون دولار إلي 30 مليار دولار خاصة فى مجالات استكشاف النفط وتشييد البنية التحتية والطرق والسكك الحديدية وفى برامج الزراعة والتعليم ،وبناء الطرق والجسور والسدود.

ولم يقتصر التعاون الصيني مع أفريقيا على المستوي الإقتصادي بل امتدد إلى الجانب العسكري حيث قامت الصين ببناء قاعدة عسكرية لها خارج حدودها فى جيبوتي وتسعي إلى إقامة المزيد من القواعد العسكرية فى كينيا وتنزانيا وأنجولا.

وإجمالاً يمكن بلورة الدوافع الصينية للتغلغل فى أفريقيا فى الرغبة فى الحصول على المواد الأولية أو الخام مثل النفط والمعادن، والحاجة لفتح أسواق جديدة لها وذات قوة شرائية عالية خاصة وأن عدد سكان أفريقيا سيبلغ 2.4 مليار نسمة بحلول 2050م وفقا لإحصائيات الأمم المتحدة، مع إمتلاك الصين لمصالح أمنية في أفريقيا ولا سيما في المناطق المائية المطلة على الممرات المائية مثل السودان وأثيوبيا وأريتريا والصومال، وهذا علاوة على الأمنيات الصينية في تأمين إحتياجاتها المستقبلية من الغذاء من خلال مشروعات غذائية عملاقة في أفريقيا.

وأخيراً تريد الصين الاستفادة من الكتلة التصويتية الأفريقية فى المحافل الدولية لدعمها في قضية الصين الموحدة التي تشمل الصين وتايوان وهونج كونج.

ثانياً- التسابق الأمريكي والطموحات فى أفريقيا:

فى البداية نجد أن السياسة الأمريكية ودخولها سباق الرهان فى أفريقيا اعتمدت فى المقام الأول على المشروعات الكبرى وبخاصة فى مجالي النفط والمواد البترولية وهذا ما تبلور فى جدول أعمال القمة الأمريكية الأفريقية الثانية والتي عقدت مؤخراً فى الفترة من 12 إلي 15 ديسمبر 2022م والذي غلب عليه الطابع الاقتصادي مقارنة بالطابع السياسي والأمني وبخاصة فى مجالات الطاقة والغذاء والتحول الرقمي.

علاوة على أن ذلك يأتي على خلفية إدراك الولايات المتحدة لقوة العلاقات الاقتصادية الصينية – الأفريقية حيث تعتبر الصين الشريك التجاري الأول للقارة وتتنوع استثماراتها المتميزة فى القارة ما بين الزراعة والصناعة والمواني والبنية التحتيه، مفضلاً عن محاولات الصين ترسيخ الروابط الإجتماعية بالقارة وزيادة المساعدات التنموية لها وبذلك تحاول الولايات المتحدة أن تواجه هذا النفوذ بعقد شراكات طويلة الأجل مع أفريقيا، وتعزيز مساعداتها التنموية خاصة فى مجال الأمن الغذائي في أفريقيا ولا سيما المقدمة لأثيوبيا وكينيا والصومال وجنوب السودان، مع إطلاق الحكومة الأمريكية برنامج (Feed the Future) للعمل مع الحكومات المحلية والمنظمات الزراعية في جميع أنحاء القارة للحد من الجوع العالمي والاستثمار الزراعي والإبتكار وزيادة مقاومة القارة لمواجهة التقلبات فى أسعار الغذاء واضطراب سلاسل التوريد والتغيرات المناخية.

وثمة مساع أمريكية لعودة  دورها الأمني في أفريقيا لمواجهة التهديدات الإرهابية وما تحمله من تهديدات لمصالح أمريكا فى أفريقيا وحلفاؤها وعدم ترك فراغ إستراتيجي تستغله بعض القوي المنافسة لها كروسيا والصين وهذا ما يتبلور مؤخراً فى قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2023م والذي يهدف إلى إعادة تأسيس وجود قوات أمريكية مستمر في الصومال لمواجهة تهديدات حركة شباب المجاهدين الصومالية.

وتمثل أفريقيا سوقاً للسلاح الأمريكي وتحتل الولايات المتحدة المرتبة الثالثة فى قائمة الدول المصدرة للسلاح لأفريقيا بعد روسيا وفرنسا، هذا مع امتلاك أفريقيا احتياطيات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي ما يجعلها ملاذ أمن لمصادر الطاقة والغاز خاصة مع السهولة النسبية لاستخراجها وبيعها لاسيما مع موقع القارة الأستيراتيجي وتمركزها فى المياة الإقليمية الساحلية أو الوسطى لبلدانها.

 وتتميز القارة باحتياطيات ضخمة من عنصر اليورانيوم المهم فى الصناعات النووية حيث يشكل إنتاج القارة أكثر من حوالى 20% من إنتاج اليورانيوم العالمي، مع امتلاكها 25% من إجمالى إنتاج الذهب العالمي و 40% من الماس فى العالم و80% من البلاتين العالمي و27% من الكوبالت و 9% من إجمالى إنتاج الحديد في العالم، مع وجود عديد من الغابات فى القارة والتي تسهم في صناعة الأخشاب بأكثر من 60% من إجمالي الناتج القومي للقارة.

ومن هنا تمثل القارة أهمية إستراتيجية لأمريكا خاصة وأنها مخزن إستراتيجي للطاقة وسوقاً اقتصادياً مهما لها، كما أنها من الممكن أن تسهم فى مجال الطاقة المتجددة لريادة القارة فى محيطها الإقليمي.

ثالثاً- أبعاد وملامح الصراع الأمريكي- الصينى على أفريقيا:

إن الصراع على الموارد الطبيعية هي أهم ملامح التنافس الأمريكي الصيني فى أفريقيا خاصة فيما يتعلق بملف الطاقة ومع إعتبار الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط فى العالم وتعتبر 35% من واردات الصين من النفط من قارة أفريقيا ومن هنا تسعي الصين لتأمين إحتياجتها من النفط وتحقيق أمنها النفطي القائم على رفع نسبة التوزيع الجغرافي والتنويع لمصادر الطاقة والإستفادة من خصائص النفط الأفريقي.

وفى المقابل نجد الولايات المتحدة من أكبر مستهلكي ومستوردي النفط فى العالم ومن هنا كان النفط وتأمينة من قارة أفريقيا ضمن أولوياتها الأمنية لسياسة الطاقة الأمريكية لحماية مصادر الإنتاج النفطي لاسيما فى الدول التي تعاني من عدم استقرار سياسي فى القارة ورغبتها فى التحرر من الاعتماد على نفط الشرق الأوسط وتنويع وارداتها النفطية وأفريقيا عنصر مهم فى إستراتيجيتها ، وضرورة رصد أي تحرك لمنافس دولي محتمل يضر بأمن الطاقة الأمريكي وبالتالي أمنها القومي.

رابعاً- آليات تفعيل الشراكة الأمريكية- الأفريقية على ضوء قمة أمريكا- أفريقيا الثانية:

سعت الولايات المتحدة فى قمتها الأفريقية الثانية فى الفترة من 12 إلي 15 ديسمبر 2022م وبعد ثماني سنوات من القمة الأفريقية الأولى فى عام 2014م حماية مصادرها النفطية من القارة الأفريقية وتحقيق أمنها فى مجال الطاقة وإقامة شركات متعددة في ملف الطاقة النظيفة والمستدامة، إلا أنها مازالت تواجه تحديات ملحة فى القارة حيث الصراع الدولى على ثروات القارة وتفشي الفقر فى أفريقيا وإعتماد أغلب الاقتصادات الأفريقية على تصدير السلع الأساسية وهو ما يجعلها عرضة للتقلبات الإقتصادية العالمية مع انتشار الفساد الذى يلتهم جزءاً كبيراً من عوائد التنمية.

وترغب إدارة بايدن فى استعادة الوجود الخارجي لها واستعادة دبلوماسيتها المتنوعة خاصة مع تردي العلاقات الأمريكية مع إدارة دونالدترامب وقرارات تقليص الوجود العسكري الأمريكي فى الخارج وإصدار بايدن فى مايو 2022م قراراً بعودة القوات الأمريكية إلى الصومال، مع إعادة الشراكة بين الولايات المتحدة وأوروبا لزيادة نفوذها في أفريقيا ومواجهة التنافس الروسي- الصينى فيها عبر توسيع التعاون الدفاعي مع الدول الأفريقية فى مجالات الطاقة والتكنولوجيا لمنافسة (شركة فاجنر) الروسية التى توغلت فى القارة.

وتعاني الولايات المتحدة من التضخم فيما تسعي إلى الحفاظ على الصناعات الأمريكية مقابل الوجود الصيني الولي من خلال زيادة استيراد المواد الخام من أفريقيا بشكل لا يضر الشريك الأوروبي وهذا لن يتحقق إلا بتعزيز العمل فى إتفاقية التجارة الحرة الأفريقية وتشجيع الاستثمار فى الطاقة المتجددة وتعزيز التبادل التجاري والحصول على مقعد دائم لأفريقيا فى مجلس الأمن بجانب الانضمام لمجموعة العشرين.

وعلي ضوء كل ذلك، توجد ضرورة ملحة لتعزيز الشراكة يبين الولايات المتحدة وافريقيا لمواجهة التحديات العالمية خاصة في مجالات التغير المناخي حيث تتعرض 16 دولة من أصل 20 دولة للتأثر بالمناخ تقع في افريقيا وذلك من خلال تعزيز مرونة البنية التحتية وأنظمة المياه والصحة والغذاء.. مع محاولة امريكا الحد من الجوع في افريقيا من خلال التعاون مع الحكومات المحلية والمنظمات الزراعية في جميع انحاء القارة مع الحكومات المحلية والمنظمات الزراعية في جميع أنحاء العالم.

هذا مع تشكيل آليه لشراكة امريكية افريقية رسمية بنفس الجدية مثل الشراكة الأمريكية الأورو- أطلسية مع الإتفاق علي استراتيجية للدفع بإصلاحات هيكلية للمؤسسات الدولية مثل مجلس الأمن ومجموعة العشرين والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والتي تعد ضرورة لإدماج افريقيا في مجلس الأمن كعضو دائم ولتعزيز السلام والتنمية فيها ومن خلال زيادة معدلات النمو والتحول إلي الطاقة الخضراء والإستدامه بالإضافة إلي الوصول إلي آفاق جديدة من التعاون والشراكة في كافة المجالات.

وأخيرا يمكن القول إن مستقبل العلاقات الأمريكية مع افريقيا سيتحقق بفاعلية بناء علي صدق النوايا الأمريكية في تحقيق شراكة فاعلة وعادلة ومتساوية مع افريقيا وليس تابعة وعلي مدي قوة النفوذ الدوري في افريقيا خاصة من قبل الصين وروسيا ومدي قدرة القارة علي مواجهه تحدياتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية وقوة نفوذها في المؤسسات الدولية وبخاصة مجلس الأمن.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى